تقدمت 36 منظمة حقوقية بشكوى رسمية لخمس جهات حقوقية تابعة لمنظمة الأمم المتحدة ضد ما قالت إنه حملة يشنها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والحكومة، على منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان، بسبب كشفها جرائم تعذيب حدثت بعد الثورة.
وقالت المنظمات في الشكوى التي أعلنت عن تقديمها في المؤتمر الصحفي الذي عقد في مركز القاهرة لحقوق الإنسان، إن الحكومة المصرية تحاول تشويه صورتها وإلصاق تهم العمالة الأجنبية بها بسبب تلقيها تمويلات من تلك الدول.
واستنكرت الشكوى «الإجراءات التصعيدية» للحكومة ضدها والتي شكلت معوقا لعملها، موضحة أن هذه الإجراءات تتمثل في تكليف وزارة العدل بتقصي حقائق تمويل منظمات المجتمع المدني، وطلب الحكومة من البنك المركزي مراقبة جميع المعاملات البنكية، منتقدة التعديل التشريعي الذي تنوي الحكومة سنه لضبط تمويل الجمعيات الأهلية.
وأوصت المنظمات في الشكوى الجهات المختصة في الأمم المتحدة بمطالبة الحكومة المصرية والمجلس العسكري بإيقاف استهداف منظمات المجتمع المدني والعاملة في مجال حقوق الإنسان علي وجه الخصوص، وتذكير الحكومة المصرية بالتزاماتها الدولية والتي وردت في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في المادة 22، والتي قضت بحق الأفراد في تكوين الجمعيات مع آخرين.
كما طالبت الأمم المتحدة بتذكير الحكومة بمراعاة مواد وبنود إعلان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، وإيقاف الحرب الإعلامية الشرسة علي تلك المنظمات، ومراجعة القوانين الوطنية وتعديل ما يلزم من قانون الجمعيات الأهلية وذلك بغرض تحرير المجتمع المدني.
وأكدت المنظمات في بيان صحفي، أن حملة التشويه الواسعة التي تتعرض لها حاليا واتهامها بالعمالة والخيانة، بسبب قيام هذه المنظمات بفضح وكشف التجاوزات التي تعرض لها المحبوسون عسكريًا ومطالبتها بوقف إحالة المدنين للمحاكم العسكرية، لذلك طالبت المنظمات السلطات المختصة بالوقف الفوري لإحالة المدنين للمحاكم العسكرية أو هيئات تحقيق ذات طابع استثنائي وإعادة محاكمة كل المسجونين عسكريا.
وشددت علي ضرورة التحقيق في كل ممارسات التعذيب التي ارتكبتها الشرطة العسكرية بما في ذلك كشوف العذرية، وطالبت بالتزام السلطات المختصة في فترة الانتقال وعلي رأسها المجلس العسكري ومجلس الوزراء بالرد علي شكاوي وتقارير المنظمات الحقوقية، والوقف الفوري لحملات التشويه والتشهير الحكومية، وإقالة كل من فايزة أبو النجا, وزيرة التعاون الدولي, وجودة عبد الخالق, وزير التضامن الاجتماعي, لموقفهما المعادي لمنظمات حقوق الإنسان، وإحالة اختصاص العلاقة بمنظمات المجتمع المدني إلي نائب رئيس الوزراء المسؤول عن عملية الانتقال الديمقراطي.
وقال نجاد البرعي، المحامي والناشط الحقوقي، إن الحملة التي تتعرض لها منظمات حقوق الإنسان حاليا ليست بالجديدة، وأن الحكومة الحالية تتبع نفس النهج الذي كانت تستخدمه حكومات النظام السابق في التعامل مع المجتمع المدني، لافتا إلي ضرورة توقف الحكومة عن حملات التشويه لمنظمات حقوق الإنسان.
وأكد البرعي خلال المؤتمر أن منظمات حقوق الإنسان لا تقبل المزايدة علي الوطنية، مؤكدا أنهم تحملوا عبء النضال من أجل حقوق الإنسان في مصر في عهد النظام السابق، في الوقت الذي كانت معظم الأحزاب تقف فيه موقف المتفرج.
من جانبه أكد بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان، أن القائمين علي إدارة شؤون البلاد عقب ثورة 25 يناير يتبعون نفس الوسائل التي كان يتبعها الرئيس السابق ونظامه في مواجهة منتقديه، لافتا إلي أن جوهر الخلاف بين منظمات المجتمع المدني والنظام السابق أو المجلس العسكري لم تكن تتمثل أبدًا في التمويل الأجنبي ولكنها بسبب المواقف النقدية التي اتخذتها المنظمات إزاء جرائم حقوق الإنسان عقب الثورة.
ولفت حسن إلي أن التمويل الأجنبي لا ترفضه الدولة، علي العكس يتم تحت رعايتها بدليل ما تحصل عليه مؤسسات ومنظمات حقوقية تابعة للدولة والجمعيات الأهلية التي تقع تحت إشراف حكومي.
وشدد حافظ أبو سعدة، مدير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، على أن الحملة ليست جديدة، ومن يقومون بها الآن هم نفس من كانوا يقومون بها من قبل، مشددا على أن ما تتعرض له منظمات حقوق الإنسان حاليا من انتقادات واتهامات بسبب كشفها المتواصل لانتهاكات حقوق الإنسان عقب الثورة.
وقال جمال عيد، رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، إن استخدام ذريعة الأمن القومي لتقييد منظمات حقوق الإنسان وتمويل أنشطتها هو أسلوب تتبعه كل الأنظمة الاستبدادية مستشهدا بما فعلته إسرائيل بفرض قيود علي التمويل الأجنبي للمنظمات الحقوقية الإسرائيلية بعد أن تعاونت هذه المنظمات مع الخبير الدولي اليهودي ريتشارد جولدستون في وضع تقريره الشهير للأمم المتحدة والذي طالب بتقديم إسرائيل للمحكمة الجنائية الدولية بسبب جرائمها في غزة.
وتقدمت المنظمات بشكوى رسمية ضد الحكومة المصرية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم لخمس هيئات تابعة للأمم المتحدة وهي «مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان» و«مقرر الأمم المتحدة الخاص بالحق في التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات»، «مقرر الأمم المتحدة الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان»، «مقرر الأمم المتحدة الخاص بحرية التعبير»، إضافة إلى «المقرر الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان باللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب».