x

عائلة «سمير عزيز» تروى قصة البحث عن أشلاء رب الأسرة وسط ضحايا تفجير الإسكندرية

الثلاثاء 04-01-2011 18:01 | كتب: سماح عبد العاطي, محمد أبو العينين |
تصوير : اخبار


«أنا عايزة حقى فى جوزى».. قالتها جورجيت عبدالسيد جبر، ثم أطلقت العنان لدموعها، قبل أن تمتد يد ابنتها الصغرى، روزانا، لتربت على كتفها فى محاولة لتهدئتها، فيما جلس نادر، الابن الأكبر، إلى جوار والدته، ولاذ بالصمت.

القصة الكاملة رواها باسم، الابن الأوسط، الذى قضى ليلة مجزرة كنيسة القديسين خارج المنزل يبحث عن والده، فوزى بخيت سليمان «52 سنة» فى مستشفيات الإسكندرية، حتى وصله خبر العثور على جثته بالمشرحة، وسط عشرات الجثث الأخرى التى تناثرت أجزاؤها، جراء الانفجار.

على مقربة من الكنيسة التى شهدت مصرع الأب، تسكن أسرة فوزى بخيت، الشهير بـ«سمير عزيز»، فى شقة بالطابق الثالث بمنزل بسيط للغاية، تزين جدرانه من الداخل صور للعذراء مريم وهى تحتضن الطفل يسوع، ونتيجة للعام المنتهى 2010، تعلوها عبارة «تقويم المحبة»، فيما يخيم الصمت الذى تفرضه هيبة الموت على الشقة ذات الأثاث المتواضع، ووفود المعزين لا تنقطع منذ استشهاد الأب أمام باب الكنيسة.

شيئا فشيئا تمسك الزوجة دموعها، وتبدأ فى الحكى، تقول إنها احتفلت وزوجها الراحل قبل شهر مضى بعيد زواجهما السابع والعشرين، «ميلت عليه وقلت له عقبال ما نكملوا 100 سنة، راح ضاحك وقاللى إنتى عايزة تعيشى كل العمر ده»، ثم تروى الزوجة تفاصيل اللحظات الأخيرة التى سبقت وفاة زوجها.

أغلق الزوج المحل الذى يعمل فيه فنى كهرباء، وعاد إلى المنزل ليطلب من الابن الأكبر نادر «25 سنة» أن يصحبه بالسيارة إلى كنيسة القديسين، حيث تنتقل الأسرة لحضور قداس رأس السنة، من كل عام، وبسبب حالة الحداد التى تعيشها بعد وفاة والدها، لم تشأ الزوجة أن تذهب معه.

وبعد أن وصل نادر ووالده إلى الكنيسة، طلب منه الأب الرجوع للمنزل، على أن يعود إليه بعد انتهاء القداس، وخلال هذه الفترة، سمعت الأم صوت انفجار شديد، فهمست لنادر: «الظاهر ده صوت رعد»، ولم تكد تنهى كلامها حتى استقبل نادر مكالمة من أحد أصدقائه، «إنت فين؟»، فرد دون مبالاة: «فى البيت»، وواصل الصديق «ليك حد فى الكنيسة؟»، أجاب «أيوة بابا هناك»، فقال له: «طيب إلحقه عشان فيه انفجار هناك»، وانتهت المكالمة لتجد الأسرة نفسها دون وعى منها فى الشارع.

تلتقط روزانا «23 سنة» طرف الحديث، «الحادثة وقعت الساعة اتناشر ونص إلا خمسة، وكنت هناك اتناشر ونص بالظبط»، بمجرد وصولها للكنيسة لم تجد أحداً من أفراد الشرطة المكلفين بالحراسة. وهزها ما أطلقت عليه «بحر الدم» الذى أغرق أرض الشارع. «عارفين لما بيدبحوا فى عيد الأضحى، كإنك دابحة جثث ومقطعاها»، تفقدت روزانا الجثث فى محاولة للعثور على والدها وسط الأشلاء، «كنت باكشف الملايات عن الجثة اكتشف إنه مش بابا، فأروح لجثة تانية، وهكذا».

تاه الأحياء وسط الدماء والأشلاء، ولم يعد ممكنا التعرف على أحد، وهو ما دفع أحد الأشخاص إلى أن يضرب باسم الابن الأوسط «24 سنة» بالرأس قائلاً له «مش مهم تلاقى أبوك دلوقت، حاول تنقذ المصابين وتنقلهم المستشفى».

لم يسفر البحث عن شىء إذ لم يظهر الوالد، وإن ظهرت خطيبة ابن العمة أميرة نبيه نسيم 24 سنة وتم نقلها لأحد المستشفيات فى حالة حرجة، الأمر الذى دفع باسم لخوض جولة أخرى من البحث مع خاله، لكن هذه المرة داخل المستشفيات التى استقبلت المصابين، قاده البحث إلى المشرحة للمرة الأولى، وهناك تعرف على جثة ابن عمته «مينا»، وعاد للمنزل بعد أن فشل فى العثور على والده، وفى تمام الخامسة صباحاً رن جرس هاتف الخال الذى يعمل بالمشرحة، كان المتصل زميلاً له يعرف قصة الخطيب الغائب. قال له إن هناك جثة لشخص مجهول دون أوراق فى حوالى الخمسين من عمره، فهمست الزوجة لشقيقها »هتروح وتلاقيه جوزى».

ومن المشرحة إلى دير مارمينا العجايبى حيث تم ترتيب إقامة الصلوات على أرواح الشهداء، ورصت التوابيت إلى جوار سور لحين بناء كنيسة جديدة تحفظ رفات الشهداء، كما وعد الآباء الكهنة. تقول روزانا: «أنا مش زعلانة على أبويا، هو دلوقت فى أحسن مكان مع الشهداء والقديسين، اندفن فى مكان طاهر كله صلاة وصيام، وهيفضل هناك على طول الناس تتشفع بيه زى مارمرقس اللى دمه هدر فى اسكندرية كلها». رافضة انتقادات الدول الأجنبية للوضع فى مصر، «لو الأجانب دخلوا مصر هيموتونا كلنا ومش هيفرقوا بين مسلم ومسيحى».

لا تخفى السيدة جورجيت مصيبتها فى وفاة زوجها، وتتساءل بمرارة: «عملنا إيه عشان يحصل فينا كده، ولادى أهم، الكبير متخرج من كلية تجارة والتانى معاه دبلوم زراعة، والصغيرة لسة بتدرس فى كلية الحقوق، صحيح ما بيشتغلوش عشان مافيش شغل فى البلد، إنما مافيش واحد منهم مسك له سيف ولا سبق ضرب واحد مسلم على باب جامع»، وتواصل «أنا علمت ولادى المحبة وطول عمرنا عايشين مع المسلمين فى بيوت واحدة، وجيرانى، وأصحاب ولادى، وأصحاب جوزى، وأصحاب إخواتى كلهم مسلمين، وعمرنا ما أسأنا لحد». تفقد الأسرة الصغيرة عائلها دون أن تفقد أملها فى حصولها على حقه ممن سفكوا دماءه فى لحظة خاطفة أنهت أحلام أسرة بأكملها، تركها عائلها دون مورد رزق، لتواجه أياماً يعلم الله وحده ما الذى تحمله لها.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية