انتقد الشيخ تيسير التميمى، قاضى قضاة فلسطين، الجريمة الإسرائيلية الأخيرة ضد الشهداء المصريين على الحدود، ووصفها بأنها جريمة جديدة تضاف إلى الجرائم الإسرائيلية ضد البشرية، مؤكدا حق مصر الكامل فى حماية حدودها والدفاع عنها، ودعا المسلمين إلى الإسراع بزيارة القدس والصلاة فى المسجد الأقصى، مؤكداً أن التضامن مع الفلسطينيين ودعمهم لا يعنى الاعتراف بمشروعية الاحتلال الإسرائيلى، لأن زيارة «السجين» لا تعنى مطلقا الاعتراف بمشروعية «السجان»، وطالب، فى حواره لـ«المصرى اليوم»، العالم الإسلامى بتقديم المزيد من الدعم والمساندة للقضية الفلسطينية، مشيراً إلى أنه لايستطيع أحد إنكار الدور المصرى الكبير فى الدفاع عن القضية الفلسطينية على مر التاريخ.
■ ما رأيك فى العدوان الإسرائيلى الغاشم على الجنود المصريين مؤخراً؟
- من حق مصر الكامل أن تنظم حدودها وتحافظ عليها وتحميها كأى دولة مع دولة أخرى، ويجب ألا ننكر حق مصر فى المحافظة على حدودها، وما حدث من اعتداء غاشم على الحدود المصرية جريمة جديدة تضاف إلى الجرائم الإسرائيلية التى ترتكبها ضد البشرية.
■ هل تؤيد الدعوة التى يوجهها البعض للمسلمين لزيارة القدس والصلاة فى المسجد الأقصى فى الوقت الراهن؟
- على ضوء منع قوات الاحتلال الإسرائيلى الفلسطينيين من الصلاة فى المسجد الأقصى أو الوصول إليه، أرى أنه على المسلمين أن يسارعوا بزيارة «القدس والصلاة فى المسجد الأقصى» لدعم صمود إخوانهم الفلسطينيين الذين يعانون من «جرائم التطهير العرقى» وإنعاش الاقتصاد الفلسطينى.
■ لكن يرى البعض ومنهم الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والبابا شنودة الثالث أن قيام المسلمين بهذه الزيارات يعنى الاعتراف بشرعية الاحتلال؟
- زيارة المسلمين للقدس والصلاة فى المسجد الأقصى، لا تعنى أن التطبيع مع إسرائيل أو الاعتراف بمشروعية الاحتلال الإسرائيلى، لأن التضامن مع «السجين» لا يعنى مطلقا الاعتراف بـ«السجان»، فالقدس الآن أشد حاجة لهذه الزيارات لدعم شعبها الأسير، لأنها تتعرض للتهويد الكامل وإسرائيل تسعى إلى طمس معالمها العربية والإسلامية بهدف تحويلها إلى مدينة يهودية خالصة، لذا فهى تمنع أبناء الضفة الغربية وغزة وغيرهم من الفلسطينيين من الصلاة فى المسجد الأقصي، بل إنها تمنع أبناء ضواحى القدس من دخولها، وأستند فى دعوتى لضرورة زيارة المسلمين للقدس إلى حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدى هذا المسجد النبوى بالمدينة المنورة)، ثم إننا لو عدنا إلى التاريخ سنجد أن الصليبيين احتلوا القدس أكثر من 88 عاما ولم يحرم أحد من علماء المسلمين من زيارتها، وهى تحت الاحتلال، وعلينا جميعا أن نقاوم المحتل بكل السبل ونؤكد تمسك الأمة الإسلامية بالقدس والمسجد الأقصى لنمنع الإسرائيليين من إقامة هيكلهم المزعوم.
■ ألا يعد الحصول على تأشيرة من إسرائيل لزيارة القدس نوعا من التطبيع؟
- التطبيع هو الذهاب إلى إسرائيل والتعامل معها من خلال اتفاقيات اقتصادية وتجارية وسياسية وما إلى ذلك، لكن الذهاب إلى القدس وزيارة المسجد الأقصى بنية مساندة أهلها ودعم صمودهم ليس تطبيعا وإنما مساعدة لأهل القدس الذين يعيش أكثر من80% منهم تحت خط الفقر ويتعرضون لمخاطر الطرد والتهجير وهدم بيوتهم والقتل العشوائى، فقوات الاحتلال الإسرائيلى تضيق عليهم فى شتى نواحى الحياة، وتفرض عليهم ضرائب باهظة، لذا فإن المسلمين إذا قاموا بزيارة القدس وتسوقوا فى أسواقها وتعاملوا مع أهلها فسيقدمون لهم مساعدة كبرى، ولذلك أنادى المسلمين والمسيحيين ليأتوا إلى القدس كنوع من مقاومة الاحتلال والتأكيد على أن القدس مدينة إسلامية ومسيحية وعربية.
■ لكن هل ستسمح إسرائيل للمسلمين والمسيحيين بزيارة القدس؟
- إسرائيل لاترحب بدخول العرب، حتى لو كانوا أوروبيين من أصول عربية فقد لاتسمح لهم نهائياً مع أنها تسمح للأوروبيين بالدخول دون تأشيرات، ولهذا فإن إسرائيل ترتاح لعدم زيارة العرب ـ مسلمين أو مسيحيين ـ للقدس فهى بذلك تنفرد بعرض وجهة نظرها للأفواج الأوروبية فتقدم لهم المسجد الأقصى على أنه هيكل سليمان، لهذا فإن دعوتى للذهاب إلى القدس تعنى ضرورة تأكيد عروبتها وإسلاميتها وحتى لانتركها للجماعات اليهودية المتطرفة.
■ هل هناك شخصيات إسلامية فى القدس تؤيد موقفك؟!
- الكثيرون يوافقوننى الرأى سرا لأن هذا الرأى يحتاج إلى شجاعة قبل إعلانه، وتحسباً لإلقاء التهم عليهم ومواجهة الآراء الرافضة للزيارة.
■ حدثنا عن الحياة الصعبة التى يعيشها أهالى القدس فى ظل الغطرسة الإسرائيلية؟
- المقدسيون يعيشون حياة صعبة للغاية فهم محاصرون وقوات الاحتلال الإسرائيلى تهدم البيوت فوق رؤوسهم وتقوم بعمليات تطهير عرقى ضدهم على مرأى ومسمع من العالم وتقوم بطرد وتهجير السكان وتصادر الأراضى، وتقيم عليها المستوطنات وتنتهك بشكل صارخ حرية العبادة وتمنع أهالى الضفة الغربية بالكامل من دخول القدس والصلاة فى المسجد الأقصى، وتستبيح من الجماعات اليهودية المتطرفة ساحات المسجد الأقصى بينما يتم منع الفلسطينيين من دخوله.
والقدس تتعرض الآن لمخاطر جسيمة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلى، خاصة بعد إقامة جدار الفصل العنصرى الذى يغلف المدينة من جميع جوانبها، فأصبح من المستحيل على أبناء قرى القدس وجوارها وأبناء الضفة الغربية دخول المدينة، كذلك تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلى بمصادرة أراضى أهالى القدس وهدم بيوتهم وسحب الهويات من العائلات المقدسية وهذا مؤشر خطير جداً، يعنى أن إسرائيل تسعى لإحداث خلل ديموجرافى فى المدينة المقدسة لصالح المستوطنين، إنهم يفرغون المدينة من أهلها ويأتون بهذه الجماعات المتطرفة لإسكانهم فى المدينة المقدسة.
وتسعى إسرائيل بذلك إلى تهويد المدينة المقدسة وطمس معالمها الحضارية والتاريخية العربية والإسلامية، ونحن فى معركة الدفاع عن القدس والمقدسات لن نيأس وسنقدم أرواحنا فداء للقدس والمسجد الأقصى ووطننا.
■ ماذا عن الحفريات أسفل المسجد الأقصى؟
- تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلى بعمليات حفر كبيرة تهدد أساسات المسجد الأقصى بهدف هدمه، وبعد أن جوفت أساسات المسجد أصبح الآن معلقاً فى الهواء، كما تقوم إسرائيل بحقن جدران المسجد الأقصى وأساساته بـ«مواد كيماوية» تقوم بإذابة الصخور بهدف تقويضه وهدمه لإقامة هيكلهم المزعوم، ونفذت إسرائيل شبكة من الأنفاق أسفل المسجد الأقصى وتستمر فى حفرياتها بدعوى التنقيب على أثر لليهود على الرغم من أن علماء الآثار اليهود وعلى رأسهم المهندس «مائير بندون» خرجوا وأعلنوا أنهم لم يعثروا على أى أثر للتاريخ اليهودى او للهيكل أسفل المسجد الأقصى، إلا أن إسرائيل تستمر الآن فى عمليات الحفر لهدم وتقويض المسجد.
كما قام اليهود بافتتاح «كنيس الخراب» الذى بنى على أرض وقف إسلامى على بعد أمتار من المسجد الأقصى، وسمى بذلك بناء على قول حاخام يهودى فى القرن الثامن عشر بأن أبناء هذا الكنيس سيقومون بتخريب المسجد الأقصى وهدمه، وأطالب قوات الاحتلال الإسرائيلى بالتراجع عن قرارها تهويد المسجد الأقصى المبارك، ومدينة القدس ووقف الحفريات تحت أساساته وتمكين المصلين المسلمين من دخوله والصلاة فيه، لأن كل الممارسات التى تقوم بها مخالفة للمواثيق والاتفاقيات الدولية وحقوق الإنسان وتعاليم الشرائع الإلهية التى كفلت حرية العبادة وعدم الاعتداء على مقدسات وأماكن عبادة الشعوب التى تقع تحت الاحتلال، وعلى الشعوب العربية والإسلامية ألا تسكت على المساس بعقيدتها ودينها وكرامتها كالسابق، كما أننى أناشد منظمة اليونسكو وهيئة الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامى وجامعة الدول العربية التحرك على وجه السرعة لمنع إسرائيل من تنفيذ مخططها الخبيث.
■ هل يبيع الفلسطينيون أراضيهم وبيوتهم المحيطة بالمسجد الأقصى بعدما عرضت عليهم إسرائيل المليارات؟
- لايوجد أحد من الفلسطينيين يفرط فى أرضه ووطنه، ولم يحدث بيع، لكن إسرائيل تصادر الأراضى وتطرد السكان وتستولى عليها بالقوة، فالمنازل المصادرة بالآلاف، ومنذ أيام صادروا 77 بيتا، وكل يوم تهدم إسرائيل مئات البيوت فى الضفة الغربية والقدس بدعوى عدم الترخيص أو غيرها، رغم أنها بنيت قبل إعلان إسرائيل، فهذه المبررات غير منطقية، واتفاقية جنيف الرابعة تمنع إسرائيل من هدم هذه البيوت.
■ كيف ترى الدور المصرى فى الدفاع عن القضية الفلسطينية؟
- مصر تعتبر القضية الفلسطينية قضية أمن قومى، ولهذا فهى كانت حريصة جداً على نجاح المصالحة الفلسطينية لأنها تعرف أن فى المصالحة الفلسطينية عاملاً قوياً للقضية، ومصر قدمت كل ما تستطيع ولا زالت تقدم الكثير والكثير للقضية الفلسطينية، وهذه المصالحة هى مصدر قوة للشعب الفلسطينى والقضية الفلسطينية، أما الفرقة فهى مصدر ضعف، فالمولى عز وجل يأمرنا بوحدة الصف فى قوله تعالى «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا»، وإذا حدث أى انقسام بين الفصائل الفلسطينية فإنه يصيب القضية فى مقتل ويضر بها وتقوم مصر حالياً بالعمل على وحدة الصف الفلسطينى لمواجهة المخططات الصهيونية.
■ ماذا عن موقف العالم الإسلامى من القضية الفلسطينية؟
- موقف العالم الإسلامى من القضية الفلسطينية مخز، وهذا يشجع إسرائيل على التمادى أكثر وأكثر فى تنفيذ مخططاتها والسيطرة على المقدسات الإسلامية، فالأمة العربية والإسلامية تملك من المال ما لا عدّ له ولا حصرَ، ولكن أقول إنها لا تملك إرادة العمل، ولذلك فالأمة تتمنى أن تفعل شيئاً للأقصى ولكن هناك كما قلت قوة خفية تمنع الأمة من القيام بواجبها، وأقول إنه إذا لم تتحرك الأمة على وجه السرعة لإنقاذ القدس والمسجد الأقصى فسيكتب التاريخ عنها صفحات سوداء من العار.
■ كيف ترى حق العودة للفلسطينيين والتعويض من منظور الشرع الإسلامى؟
- حق العودة يعنى القضية الفلسطينية، إلا أن قضية فلسطين هى قضية شعب تعرض للتشريد والطرد من وطنه بقوة السلاح، وحق العودة حق طبيعى ومقدس يجب أن نعمل على تسهيله وتطبيقه لأن القانون الدولى مع هذا الحق وكذلك القرارات الدولية، والقرار 194 ينص صراحة على العودة والتعويض، والارتباط بينهما مهم جداً لأن التعويض بدون عودة هو تنازل، فالتعويض عن سنوات الشقاء والحرمان والآلام التى تعرض لها الشعب الفلسطينى خلال السنوات الطويلة منذ عام 1948، ومن حق الشعب الفلسطينى أن يعود إلى أرضه وممتلكاته، أما أن نقبل بالتعويض دون حق العودة فهذا يعنى تنازلاً أيضاً، وهذا محرم شرعاً ومن يفعل ذلك فهو آثم يجب أن ينبذ وأن نعلن عنه أنه خارج عن إجماع الشعب الفلسطينى وعن الصف الوطنى الفلسطينى.
■ ما الآمال التى تتمنى تحقيقها؟
- أتمنى أن يضع العالم الإسلامى والعربى مشروعاً إسلامياً عملياً لمواجهة المشروع الإسرائيلى وأن تتوحد الفصائل الفلسطينية والأمة الإسلامية وتقوم الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.