x

الأعمال تتوقف بمشروع الصرف الصحى بكفر الشيخ والسبب يضيع بين «شركة المياه والمحافظين والأهالى»

الأربعاء 07-12-2016 23:07 | كتب: محمد طارق, محمود الواقع |
محررا «المصرى اليوم» بالقرية محررا «المصرى اليوم» بالقرية تصوير : محمد السعيد

(قصة الشحات)

بانتظار معجزة، يستمر الشحات سليمان جاهداً فى محاولته لفتح مجرى صغير لرى أرضه، بعدما أغلقت أسطوانة ضخمة أكلها الصدأ المجرى الرئيسى للرى، حين ألقاها مقاول شركة تولت تنفيذ محطة صرف صحى عام 2012 ضمن المشروع، ثم غادر قبل أن يكمل بنائها.

يدخل الشحات إلى المحطة المبنية على قيراطين من أرضه (350 مترا مربعا) تنازل عنهما لشركة مياه الشرب والصرف الصحى، مقابل مبلغ مالى جمعه الأهالى من بعضهم، حتى يجرى بناء المشروع، رغم أن صيغة التعاقد، جاءت بموجب عقد تبرع لاشتراط البنك الدولى تبرع الأهالى بالأراضى اللازمة كنوع من المشاركة المجتمعية.

يمسك الشحات بيده الأسمنت الرطب، ويفتته قطعاً على الأرض، متحسراً على محصوله الذى ضاع.

خلال النصف الأول من مايو اضطر الشحات إلى تبكير زراعة المشتل على مساحة عشرة فدادين «42 ألف متر مربع» من أرضه، بعدما أتى المقاول لغلق مجرى رى الأرض مؤقتا وأحاط الأسطوانة بأخشاب وأسمنت لاستبدال مواسير المشروع على أن يعود فى اليوم التالى.

انتظر الشحات أسبوعين، لكنه لم يعد منذ ذلك الوقت. الشحات خسر محصول الأرز بعد توقف مقاول شركة «النصر للأعمال المدنية» عن تنفيذ المشروع ذلك العام.

أحد المنازل يبدو على وشك الانهيار

تقول الشركة، إن التوقف، يرجع إلى اعتراض أهالى قرية «الحمرا» المجاورة للكوم الطويل على مرور خط الصرف عبر أراضيهم وهم غير مدرجين فى المشروع، بحسب عليوة شلبى، رئيس مجلس إدارة الشركة، ما أدى إلى تأخير تسليم المشروع أكثر من 3 سنوات كاملة.

وأضاف فى مقابلة: «لدينا محاضر رسمية تثبت عدم تمكن الشركة من تنفيذ أعماله بسبب الأهالى»، مشيرًا إلى عدم دفعهم غرامات أو تعويضات عن التأخير فى التنفيذ، لتفهم الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى، ومحاولة الجهات الأمنية والتنفيذية فى المحافظة حل الأمر. وتابع أن التخطيط العشوائى للمبانى، وضيق مساحات الشوارع يجعلانا غير قادرين على تنفيذ المشروع كاملًا فى كل القرية، ويجعل بعض المنازل معرضة للتصدع.

ذلك العبء لم يقع على كاهل الشحات سليمان وحده. المشروع المتكامل الذى يقع فى سبع قرى بمحافظة كفر الشيخ؛ دقميرة، والرملة والاتحاد والسرايا والكوم الطويل والحلافى وأبو منسى وسط دلتا مصر، لم تسلمه الحكومة وفق الاتفاق مع البنك الدولى.

ويرجع ذلك إلى تأخر «شركة مياه الصرف الصحى بكفر الشيخ»- الجهة المنفذة- عن الانتهاء من المشروع بعد تقاعس الشركة الأم «الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحى»- شركة حكومية تابعة لوزارة الإسكان- عن دفع حصتها فى المشروع والبالغ قدرها 60 مليون دولار، حسب نص اتفاق البنك الدولى. تم تأكيد ذلك وفقاً لمعلومات اطلعت عليها «المصرى اليوم» من وثائق «شركة المياه والصرف الصحى بكفر الشيخ»، خاصة بالنشاط المالى التفصيلى للمشروع.

خزانات تبنى أسفل كل منزل بعمق مترين أو ثلاثة أمتار، تخزن مياه الصرف المطرودة من كل منزل على حدة، وعند امتلائها، تأتى عربات تشفط المياه من الخزانات وتصرف مياه الصرف الصحى غير المعالجة فى المجارى المائية السطحية لنهر النيل بالدلتا الذى يصب فى البحر المتوسط.

يقول الشحات «وحتى إن اكتمل بناء محطة الكوم الطويل، سيستمر الأهالى فى صرف مخلفات منازلهم بالطريقة غير الرسمية، لأن المقاولين تجنبوا العمل فى الحارات خوفاً من انهيار المنازل فيها، واكتفوا بالحفر فى الشوارع الرئيسية». ويتابع، مضيفاً «أخى هنا سيدخل فى منظومة الصرف الجديدة، أما أنا فسأضطر للاستمرار فى استخدام الترانش».

يؤكد ذلك محمد هشام، مدير المكتب الفنى بشركة مياه الشرب والصرف الصحى، والمشرف على تنفيذ المشروع، موضحًا أن أى اشتراطات بيئية أو هندسية من المستحيل أن تتحقق فى دلتا مصر، بسبب الكثافة السكانية العالية والبناء العشوائى فى القرى.

أمام المحطة يعيش سكان قرية «الكوم الطويل» فى منازل تصرف مخلفاتها داخل خزانات أنشأوها بجهودهم الذاتية، لتنتهى فى الترع والمصارف العمومية المجاورة للقرية بشكل غير رسمى. فمنذ بناء بيت سهير إبراهيم عام 2000 وهى تطرد مياه الصرف داخل بيارة «ترانش» أسفل البيت بعمق مترين.

زادت معاناة أغلب سكان القرية مع تسرب المياه أحيانا خارج «ترنشات» المنازل، بعد بدء المشروع وتوقف العمل به.

الخراطيم لتصريف المجارى

لذلك تخشى سهير على منزلها من خطورة هذه الطريقة غير الرسمية والتى تؤدى لاختلاط مياه الصرف بمياه الرى الزراعية. يفاقم الحال، تسرب مياه الصرف الصحى فى الشوارع مع ارتفاع مستوى المياه الجوفية فى دلتا النيل، ما يجعل المنازل عرضة للتصدع فوق تلك «الخزانات»، بحسب نتائج المسح الذى أجراه البنك الدولى لتقييم الآثار البيئية والجوفية.

أجرى المحرران استطلاعاً ميدانياً على 50 منزلاً مجاوراً للمحطات فى قرى المشروع السبع، وظهر أن نظام «الترنشات»، الوسيلة الوحيدة لتصريف مخلفات الصرف الصحى من المنازل، بخلاف تعرض نحو 10 منازل لتشققات وتصدعات فى الحائط، بسبب الحفر.

خلف منزل سهير ردمت الشركة المنفذة للمشروع فى القرية ممراً يقسم الشارع إلى نصفين، بعد أن شققت جدران نحو 7 منازل من بين 11 منزلاً فى الشارع بسبب أعمال الحفر.

لم يستطع الأهالى اتخاذ أى إجراء ضد الشركة، على أمل سرعة تنفيذ المشروع، ورغبتهم فى التخلى عن صرف «الترنشات».

تتكرر المشكلة فى قرية دقميرة حيث يتوسط الطريق إلى القرية لافتة ضخمة للمشروع الذى تنفذه شركة «حنان السيد حجازى للمقاولات» لبناء محطة تجميع ونقل مياه الصرف الصحى بقريتى «دقميرة» و«الرملة»، بتمويل من البنك الدولى ما بين أكتوبر 2012 وإبريل 2014.

بعض معدات انشاء المحطة تحولت إلى خردة

كان من المفترض انتهاء شركة «الحنان» من المحطة فى 18 شهرًا، لكن أعمالها امتدت لأكثر من 3 أعوام. ويقول المهندس أحمد مندور، مدير عام شركة «الحنان» إن المشروع جرى تسليمه ابتدائياً لشركة مياه الشرب والصرف الصحى فى أغسطس الماضى، لكن مشاهدات المحررين تشير إلى أن المحطة لم تدخل الخدمة حتى الآن.

تعزو الشركة على لسان المهندس «مندور» التأخير إلى اضطراب الأحداث السياسية فى البلاد، مشيرًا إلى زيادة التكلفة الفعلية عن المتفق عليه وقت التعاقد بنسبه تتجاوز الـ10%، نتيجة زيادة الأسعار.

يتكشف الواقع أسفل اللافتة حيث بلاعات بدون غطاء، ومواسير بلاستيكية مليئة بمياه الصرف مكشوفة على الأرض، ومعرضة للانفجار فى أى لحظة بمسمار أو بكاوتش سيارة.

قدم الأهالى شكوى إلى شركة المياه، والإدارة المحلية، حصلنا على نسخ منها، ضد الشركة المنفذة نتيجة تأثر منازل الأهالى بتصدعات البيوت. لكن الشركة لم تحرك ساكناً، رغم مطالبتهم بالتعويض.

سيارات كسح مجارى

خلف المحطة وأمام إحدى البلاعات المكشوفة يقع منزل ميرفت إبراهيم الذى تصدعت جدرانه نتيجة حفر الشركة أمام منزلها بحسب ما أثبت تقرير لجنة ثلاثية من محافظة كفر الشيخ، عاينت العقار على الطبيعة، وطالبت بإخلاء السكان والمنقولات منه حفاظاً على أرواحهم وتمهيداً لإزالته. إذ يبين التقرير الموقع من المحافظ شهر سبتمبر 2015، «وجود شروخ نافذة بجدران العقار، وتنميلات بالسقف، وشروخ نافذة بحائط الدور الأول علوى وذلك بجميع الغرف المطلة على الشارع».

أرفقت «ميرفت» تلك الأوراق فى محضر رسمى قدمته إلى مركز الشرطة ضد الشركة المنفذة للمشروع، تقول: «جاءنى تهديد من الشركة بعدما طالبتهم بإعادة ترميم المنزل». إضافة لكل ذلك فالمشروع لم يجر الانتهاء رغم انتهاء المدة الزمنية المدونة على لافتة مدخل القرية.

بمواجهة شركة الحنان بهذه الأوراق، قال مدير عام الشركة: «الأصل فى مشروعات الصرف الصحى هو عودة الشىء إلى أصله». ويشرح «الشركة ملزمة فى حالة تعرض أى من المنازل أو المنشآت للضرر بإصلاحها، ولكن فى حالة منزل ميرفت كان المنزل فى حالة متواضعة وآيل للسقوط قبل بدء الإنشاءات، ورغم ذلك الشركة ستعوضها».

سبب التأخير

لوحة بالقرية للإعلان عن مشروع الصرف الصحى

يفاقم الحال، غياب القوانين المنظمة لآليات صرف المنح والقروض المقدمة من المؤسسات الأجنبية للحكومة المصرية، ما يؤدى إلى تأخر إنجاز هذه المشاريع وفقاً لرأى الدكتور عمرو عادلى، أستاذ الاقتصاد السياسى فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

عمل عدلى لمدة عام فى وحدة التمويل الدولى بوزارة التعاون الدولى. فبحسب ما قال فإن المشروع يبدأ بتفاوض بين وزارة التعاون الدولى، ممثلة عن الحكومة المصرية، والمؤسسة الدولية محل القرض، وينتهى بعد الاتفاق إلى إصدار رئيس الجمهورية قراراً جمهورياً بقانون، يصدق عليه البرلمان، فقط، لإقراره، ومن ثم يتحول إلى التزام على الدولة. ما يعكس البنية المركزية للدولة. المقامة بقريتى «الاتحاد والسرايا».

يقول عدلى إن الوزارة هى مجرد منسق بين الجهات المختلفة، وليس لها أى دور فعلى سواء فى وضع الخطط واستراتيجيات التوجه للاقتراض نحو مشروعات معنية، أو الإشراف عليها.

هذه البنية المركزية، ألقت بظلالها على بطء الحكومة فى دفع مساهمتها فى المشروع ما أدى لتأخر إنجازه، وفق مدير المكتب الفنى بشركة مياه الشرب والصرف الصحى بكفر الشيخ محمد هشام. ويشير إلى أن مشكلة المكون المحلى فى التمويل تكمن فى انتظار خطة الحكومة المالية، حيث تنتظر فروع الشركات القابضة دخول الموازنة العامة للدولة حيز النفاذ فى آخر يونيو من كل عام، لوصول الأموال.

يعزو محمد هشام، عدم دفع الحكومة المصرية للمبلغ المقرر عليها فى القرض، إلى نهج البيروقراطية المصرية، وضرورة تكرار مخاطبة وزارة الإسكان التى تطلب بدورها تخصيص الدولة للأموال اللازمة لتنفيذ المشروع فى موازنة الدولة من كل عام. ويضيف مصدر داخل الشركة ذاتها، لـ«المصرى اليوم»، أن عدم وجود اعتمادات مالية للشركة أدى إلى توقف عدد كبير من مشروعات الصرف الصحى ليس فى كفر الشيخ فقط، ولكن فى كل مصر.

استهدف هذا المشروع المتكامل، توفير أنظمة صرف صحى فى القرى المطلة على ترعة ميت يزيد، بمحافظة كفر الشيخ، التى نجح أهاليها فى توفير أرض لبناء المحطة، عن طريق بناء ست محطات رفع للصرف الصحى- وهى محطات تجميع، ورفع مخلفات الصرف الصحى، إلى محطة معالجة.

تقرير حكومى لمعاينة المنازل

فى تقرير البنك الدولى حول المشروع، فإن دور «الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى» التابعة لوزارة الإسكان لم يتضمن درجة كبيرة من المشاركة فى عمليات تخطيط وإعداد المشروعات فى المناطق الريفية. يتعلق الدور الرسمى لها ولشركات مياه الشرب والصرف الصحى التابعة لها بالتشغيل والصيانة. وبالتالى فلا توجد آلية منظمة لتقييم احتياجات المجتمع أو آلية لإشراك المجتمعات المحلية فى تخطيط المشروعات.

فى الطابق الثانى لشركة مياه الشرب والصرف الصحى بكفر الشيخ، يقع مكتب محمد مفتاح، رئيس الشركة الذى استقبلنا فى غرفة اجتماعات مساحتها تتعدى 150 متراً، بشكوى لموظفيه من عدم وجود مياه نظراً لانقطاعها بالمبنى كله. طلب منهم مفتاح المياه من أجل الوضوء لصلاة العصر. يقول لنا: «لم نتأخر فى التنفيذ يوماً واحداً، المرحلة الأولى انتهت خلال 14 شهراً، مقارنة بمحافظات أخرى»، ويلقى بمسؤولية التأخر فى التنفيذ على «الأجانب الذين يستغرقون وقتا طويلاً فى دراسة المشروعات بأكثر من وقت تنفيذها».

لكن وثائق البنك الدولى تثبت أن البنك لم يتأخر عن سداد مبالغ الارتباط فى المواعيد المنصوص عليها فى الاتفاق، وأن الحكومة المصرية هى المتأخرة فى دفع حصتها فى اتفاقية القرض، ما دفع البنك لإقفاله قبل انتهاء المشروع.

محضر شرطة يتهم الشركة بالإضرار بالمنازل

وحين واجهناه بذلك، عدل عن تبريره، ملقياً اللوم على تباطؤ الحكومة المصرية فى إرسال الأموال اللازمة للشركات المشاركة فى المشروع بشكل مباشر، شارحًا: «تنتظر فروع الشركات القابضة، إدراج وزارة الإسكان الأموال فى موازنتها، ثم دخول الموازنة العامة للدولة حيز النفاذ فى آخر يونيو من كل عام، لوصول الأموال».

بخلاف تأخر الحكومة المصرية فى دفع حصتها للمشروع، هى مسؤولة أيضا عن تسليم النقود إلى الشركات العاملة، إذ تمر الأموال برحلة معقدة حتى تصل للمقاولين المنفذين للمشروع. تأتى الأموال من البنك الدولى إلى وزارة التعاون الدولى التى ترسلها إلى وزارة المالية، وبعد تخصيص المالية لها كجزء من موازنة وزارة الإسكان تمر عبر الإسكان والمرافق، إلى الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحى، حتى تستقر فى النهاية لدى شركة مياه الشرب والصرف الصحى فى كفر الشيخ، والتى تنفقها عبر مستخلصات يقدمها المقاولون المنفذون. يقول مفتاح: «نحن من وقعنا العقد مع المقاولين، ونقدم مستخلصات بأموالهم للهيئة ثم الهيئة ترد لنا المبالغ المستحقة بشيكات مستحقة الدفع».

ويرى مفتاح سبب إسناد البنك الدولى تنفيذ المشروع لشركة مياه الشرب والصرف الصحى فى كفر الشيخ، لرغبة البنك فى تقليل التدخل الحكومى «المركزى» فى عمليات التنفيذ. إذا كان يجرى تنفيذ المشروعات فى السابق عن طريق وزارة الإسكان مباشرة، قبل أن يكون من خلال الهيئة القومية فى الفترة الأخيرة.

لم تدخل المحطات التى جرى الانتهاء منها الخدمة رسميًا حتى الآن، ولم تسلّم إلى «شركة مياه الشرب والصرف الصحى بكفر الشيخ» من المقاولين، بالإضافة إلى المحطات التى توقف العمل بها، نتيجة ارتباط كافة المحطات بالعمل سويا، لارتباطها بمحطة معالجة واحدة.

يصف محمد هشام، مدير المكتب الفنى بشركة مياه الشرب والصرف الصحى بكفر الشيخ، خطوة تسليم المحطات التى جرى الانتهاء منها بـ«الابتدائية»، موضحاً: «الشركات المنفذة تدير، لمدة سنة، كأى مشروع فى سنة ضمان، لكن المشكلة لدينا فى نقص العمالة المدربة لإدارة المحطات».

تقرير البنك الدولى عن الصرف الصحى بالمحافظات

يقول «هشام» إن البنك الدولى مدد مهلة القرض فى المرة الأولى بسبب ثورة 25 يناير 2011. وأضاف: بعد الثورة بدأنا طرح المناقصات، وهو ما أخذ وقتاً طويلاً، ولذلك وافق البنك على مدة المشروع عاما ونصف العام.

واجهناه بنتائجنا الميدانية، فصمت لحظات وقال «المشاريع هتتنفذ فى الآخر، لكن إمتى: ربنا يحييكم ويحيينا».

وكشفت جولة «المصرى اليوم» فى القرى السبع عن تنفيذ محطتين فقط الأولى فى قريتى «الاتحاد والسرايا»، والثانية بقريتى «الحلافى وأبومنيسى»، مع أنهما لاتزالان متوقفتين عن العمل بسبب ارتباط تشغيل جميع المحطات ببعضها البعض، حيث يربط المشروع المحطات جميعها عبر شبكة صرف متصلة بمحطة معالجة واحدة لمياه الصرف.

الكوم الطويل

بدأت شركة النصر للأعمال المدنية العمل فى محطتى صرف الكوم الطويل، فى يوليو 2012. إذ مرت 4 سنوات دون الانتهاء، أدى ذلك إلى زيادة التكلفة بحسب عليوة شلبى، رئيس مجلس إدارة شركة النصر، بسبب زيادة طول خط الطرد نتيجة اعتراضات الأهالى على مساره.

يقول عليوة إن مشاكل الأهالى ترجع لأن مسار خطوط المحطة تمر عبر قرية لا يمر من خلالها المشروع، لذلك يرفض الأهالى.

عند البدء فى تنفيذ المشروع عام 2012، كانت تكلفته نحو 20 مليون جنيه، غير أنه رغم مرور 4 سنوات، يقول عليوة شلبى إن التكلفة ستزيد من 6 إلى 8 ملايين جنيه، نتيجة تغير الأسعار وزيادة الأعمال.

دقميرة والرملة

بدأ تنفيذ محطة دقميرة والرملة، فى سبتمبر 2012، ولم تنته حتى الآن، نتيجة توقف الاعتمادات المالية اللازمة للتنفيذ.

وبينما تقول شركة مياه الشرب والصرف الصحى إن تكلفة محطة «دقميرة والرملة» بلغت نحو 15 مليون جنيه، تشير وثائق البنك الدولى إلى أن شركة الحنان للمقاولات، حصلت على عقد تنفيذ بمبلغ 2.3 مليون دولار (نحو 16 مليونا و307 آلاف جنيه)، وهى من ضمن الشركات المنفذة التى قدم الأهالى فيها بلاغات بعدما خيبت محطة صرف آمالهم فى عيش غدٍ أفضل.

ارتفعت القيمة الفعلية للمشروع نتيجة تأخر التنفيذ بنسب تتراوح بين 10 و15% بحسب أحمد مندور مدير عام شركة «الحنان حجازى للمقاولات». ويقول «مندور»: «لن نستطيع حساب حجم الزيادة فى التكلفة إلا بعد حصولنا على كامل أموالنا».

«الحلافى والمنيسى»

بدأ تنفيذ محطتى صرف صحى فى قريتى الحلافى وأبومنيسى، فى سبتمبر 2012، وانتهت فى 14 يونيو 2016، ورغم ذلك لم تدخل الخدمة حتى الآن، لارتباط كافة المحطات ببعضها.

تختلف التكلفة المعلنة من شركة مياه الشرب والصرف الصحى، عما تشير إليه وثائق البنك الدولى.

بحسب وثائق شركة مياه الشرب فى كفر الشيخ، بلغ إجمالى التكلفة نحو 14 مليونا و200 ألف جنية. لكن وثائق البنك الدولى تشير إلى أن شركة الشهاب للمقاولات، حصلت على عقد تنفيذ محطة رفع مياه الصرف الصحى، مقابل 2.36 دولار ما يعادل (نحو 16مليون و732 ألف جنيه) بسعر الدولار عند بدء تنفيذ المشروع.

يقول محمد عيد شهاب، مدير شركة الشهاب للمقاولات، إن شركته انتهت من تنفيذ المحطة المكلفة بإتمامها فى المدة المحددة 18 شهرًا، ورغم ذلك يتبقى له نحو 700 ألف جنيه مصرى (40 ألف دولار أمريكى). ويضيف «عيد» أن الشركة التزمت بالمواعيد تسليم المشروع، وغير مسؤولة عن باقى الشركات، موضحًا أنه لم يتجاوز التكلفة المحددة منذ بداية المشروع، متحملًا فروق الأسعار وتغير سعر الدولار والخامات، ورغم ذلك تماطل شركة مياه الشرب فى كفر الشيخ فى حصوله على باقى مستحقاته.

الاتحاد والسرايا

يوازى الطريق الفرعى لمدخل قريتى «الاتحاد» و«السرايا» مجرى مياه تنبعث منه رائحة الصرف الصحى مختلطة برائحة أطنان من القمامة. فى نهاية هذا الطريق، على بعد ثلاثة كيلو مترات، أنشأت الحكومة أول محطة للصرف الصحى فى هذا المشروع، ولم تكمل تمهيد الطريق، بعد ردم الحفر.

بدأ تنفيذ محطة «الاتحاد والسرايا»، فى 26 مارس 2012، وكان من المقرر الانتهاء منها خلال 18 شهرًا، أى فى 25 سبتمبر2013، إلا أنها لم تنته إلا بعد 27 شهراً فى 19 يونيو 2014، ورغم ذلك لم تدخل مرحلة العمل.

تكلفت المحطة، بحسب مدير المكتب الفنى والمشرف على المشروع، نحو 14 مليونا و900 ألف جنيه. لكن البنك الدولى يشير فى وثائقه إلى أن شركة المقاولون العرب المنفذة، حصلت على عقد تنفيذ للمحطة بقيمة 2 مليون و480 ألف دولار (15 مليونا و53 ألف جنيه). وهذا يعنى ارتفاع تكلفة تنفيذ المشروع نتيجة عدم الالتزام بالمدة الزمنية المحددة للتنفيذ، إضافة إلى تذبذب سعر صرف الدولار الأمريكى أمام الجنيه المصرى خلال السنوات الماضية.

بنيت محطة الصرف الصحى بقريتى الاتحاد والسرايا على قيراطين ضمن ثمانية قراريط يمتلكها أحمد عبدالسلام، حيث يعمل بالفلاحة. اختارت الحكومة أرضه كأنسب منطقة تبنى فيها المحطة، وفقاً لخرائط سير قنوات الصرف، لذلك اضطر لكتابة تنازل عنها مقابل حملة تبرع قام بها الأهالى وأعطوا له 3.37 ألف دولار (30 ألف جنيه مصرى) مقابل عملية التنازل، بموجب عقد اطلعنا عليه. ارتضى عبدالسلام ذلك المبلغ على أمل وصول الصرف الصحى إلى قريته.

تبرر سحر طلعت، مديرة إدارة التخطيط بشركة مياه الشرب والصرف الصحى بكفر الشيخ، انتزاع الأرض للمنفعة العامة، لعدم حيازة الدولة أراضى جديدة للتخصيص فى تلك المنطقة، كما أن البنك يرفض أن تكون الأرض ضمن التمويل المقرر.

فعلى الرغم من التزام الدولة بحماية الملكية بأنواعها الثلاثة: الملكية العامة والملكية الخاصة والملكية التعاونية بموجب دستور 2014 و«حظر التهجير القسرى التعسفى للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك تُعد جريمة لا تسقط بالتقادم»، إلا أن القانون رقم 10 لسنة 1990 الصادر بشأن نزع الملكية للمنفعة العامة اعتبر مشروعات مياه الشرب والصرف الصحى من بين المشروعات التى تنطبق عليها إمكانية نزع ملكية أرض خاصة من أجل مشروعات للمنفعة العامة دون الالتزام بدفع تعويض.

وتقول دراسة «تقييم النظام البيئى والاجتماعى»، التى أجراها البنك الدولى، عند الحاجة للاستحواذ على أرض لإقامة مشروع صرف صحى، فإن الأولوية تُعطى للحصول على الأرض من خلال أملاك الدولة، فيما عدا ذلك يكون الحصول على الأرض إما من التبرع الطوعى؛ أو مساهمة المجتمع؛ أو الشراء الحر؛ أو من خلال استخدام حق نزع الملكية.

بعد كل 100 متر فى القريتين يتوسط عرض الطريق غطاء «بلاعة» أسمنتية محاط بغطاء من الكاوتش، بديلاً عن الغطاء الحديد. فالكاوتش تمزق بعد شهر واحد من وضعه، ويرجح الأهالى سبب ذلك لاختلاف الخامات المتفق عليها فى عملية البناء. ورغم ذلك، فإن المحطة لاتزال خارج الخدمة، رغم أن تاريخ العقد الذى كتبه عبدالسلام بالتنازل عن الأرض يعود إلى 2009، مع بداية تنفيذ المشروع.

يقوم بحراسة المحطة خفير يعمل فى شركة المقاولون العرب المنفذة للمشروع. يقول الحارس «المشروع لم يسلم بعد، هناك أشياء بسيطة يجرى الانتهاء منها، ولم يأت المحافظ لافتتاحها».

ورغم ذلك، تقول وثيقة من مكتب شركة مياه الشرب والصرف الصحى، حصلت عليها «المصرى اليوم»، إن المشروع انتهى بنسبة تنفيذ 100%، فى مارس 2016، بتكلفة نحو 2.92 مليون دولار. لكن المحطات لم تعمل أو تدخل الخدمة من الأساس حتى يونيو 2016، وقت إعداد التحقيق.

تضارب فى التكلفة

تضاربت أرقام تكلفة المرحلة الأولى من المشروع بين وثيقة حصلنا عليها من مكتب التخطيط بشركة مياه الشرب فى المحافظة، أوضحت أن التكلفة بلغت 26 مليون جنيه، (3 ملايين و667 ألف دولار). وصلت التكلفة نحو 64 مليون جنيه فى تلك المرحلة (9 ملايين و26 ألف دولار)، بحسب محمد هشام، المشرف على المشروع، فى حين تشير وثائق البنك الدولى إلى أنه كلف نحو (10.4 مليون دولار) أى نحو 74.1 مليون جنيه بسعر الدولار عند بدء التنفيذ الفعلى فى الأول من عام 2012 عند سعر دولار يساوى 7.09 جنيه.

تغير سعر الدولار أمام الجنيه، أكثر من مرة خلال الـ5 سنوات الماضية، من 6.07 جنيه لكل دولار، فى يونيو 2012، وقت بدء ترسية عقود التنفيذ على الشركات، حتى وصل إلى 15 جنيهًا بعد تحرير سعره فى 3 نوفمبر الماضى. الأمر الذى يضاعف تكلفة الأعمال حال إكمالها.

البنك الدولى

بحسب الموقع الإلكترونى للبنك الدولى، فإن إقفال القرض جاء وفقاً للاتفاق المبرم مع الحكومة المصرية، حيث نص الاتفاق فى البداية على إقفال المشروع فى 30 يونيو 2014. لكن خلال استعراض ما انتهى المشروع له فى يوليو 2012، تم تمديد المشروع 18 شهراً حتى 31 ديسمبر 2015 لإتاحة مزيد من الوقت للتنفيذ، وأقفل فى ذلك التاريخ.

لكن مصدراً داخل المكتب الفنى للمشروع فى شركة مياه الشرب والصرف الصحى الحكومية، والمنفذة للمشروع، التقت به «المصرى اليوم»، ورفض ذكر اسمه، يقول إن الحكومة طلبت زيادة مدة القرض ستة أشهر إضافية، إلا أن البنك رفض، خاصة بعدما وافق على تمديد مدة القرض عام وستة أشهر قبلها.

رفض المكتب الإعلامى التنسيق للقاء أى من مشرفى المشروع المصريين أو الأجانب، بحجة أنهما موجودان فى الولايات المتحدة الأمريكية. وعرض المكتب إرسال أى أسئلة أخرى عبر الإيميل.

عشرة أيام حتى وصلنا رد يقول: «سننشر تقييماً نهائيا للمشروع قريباً، ويمكنكم التواصل مع شركة مياه الشرب والصرف الصحى لأى معلومات»، وقوبل طلبنا بإجراء اتصال بهم عبر الهاتف أو سكايب بـ«الرفض»، وقالت مايسه جابر، مسؤول المكتب الإعلامى فى مكتب البنك الدولى بالقاهرة: «ما لدينا من معلومات عن المشروع موجودة على موقعنا الإلكترونى».

أرسلنا رسالة عبر الإيميل إلى مقر البنك الرئيسى فى نيويورك، أرسلها بدوره إلى مكتبه فى القاهرة، الذى أبلغنا بأنه «ليس لديه أى إجابات أخرى».

أنجز هذا التحقيق بدعم وإشراف شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية (أريج) www.arij.net.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية