ما يراه الناس حولك سهلا قد يكون هو الأصعب الذى يحتاج منك مزيدا من القوة والقدرة على الصبر والسكوت.. وأقصد هؤلاء الذين لا يزال باستطاعتهم الغناء رغم العواصف والأعاصير.. ولا تزال الوردة تسعدهم فى زمن تلمع فيه الأشواك ويشيد الآخرون بصلابة الصخور.. ولا تزال الابتسامة سلاحهم حتى فى زمن لا أبطال فيه أو نجوم إلا الغاضبون والثائرون والقادرون على الشتيمة والصراخ.. وقد يتخيل الكثيرون أن الصعب الآن هو الحديث عن أزمة التحكيم الكروى أو انسحاب الزمالك وتهديد الإسماعيلى وتفكير أسوان فى الانسحاب، وكل تلك المعارك المتوقعة والقديمة والمتكررة وهذه النيران التى يشعلها الجميع وحولها يمارسون طقوس وصخب الجنون والفوضى.. لكن الصعب الحقيقى هو الهرب من كل ذلك والالتفات إلى فرحة هائلة فاضت بها وجوه وعيون لاعبى نادى العبور وهم يطالبون بخمسين جنيها لكل لاعب مكافأة الفوز على بلدية المحلة فى الدور التمهيدى الرابع لكأس مصر.. وأنا أحترم كثيرا وجدا هذه الفرحة العفوية الحقيقية، ولا أجد فارقا بينها وبين فرحة نور الشربينى ونوران جوهر ورنيم الوليلى وأمنية عبدالقوى، بعد عودتهن إلى القاهرة، أمس الأول، ومعهن بطولة العالم للاسكواش.. وأيضا فرحة لاعبى طنطا بسلامتهم ونجاتهم، بعد اصطدام الأتوبيس الخاص بهم بإحدى السيارات الخاصة داخل نفق مدينة السلام، وكانت فرحة أنستهم أوجاع هزيمتهم أمام المقاولون العرب.. فالذى يريد أن يفرح سيفرح، حتى لو بما لا يراه الناس يستحق الفرحة.. والذى يريد أن يحزن أو يغضب سيجد ألف سبب ومبرر لذلك.. فالحياة مهما كانت صعبة أو قاسية إلا أنها فى النهاية لن تمنحنا إلا ما كنا نريده بالفعل ونفتش عنه.. الذى يريد الحب سيجده، والذى يريد الفرحة سيضحك، والذى يريد الصفاء سيغفر.. والذى يريد الدم سيصطدم به، والذى يريد الجنون ستأخذ منه الأيام عقله، والذى يريد الاستعراض ستتحول أيامه إلى مسارح يمارس فوقها ما يشاء.. ومن المؤكد أن هناك الآن كثيرين مثلى ضاقوا بكل هذه الخلافات والمعارك الوهمية.. وأنا هنا لا أقصد شخصا بعينه أو ناديا دون غيره.. فنحن نعيش مناخا عاما فيه كثيرون جدا يرفضون الاعتراف بأى هزيمة ودوما يرونها مؤامرة ضدهم.. كلهم يحترمون القانون حين يكون الحكم لهم لا عليهم.. كلهم لا يرون إلا أخطاء الآخرين.. بدلا من أن يلتفتوا لأنفسهم ويعيشوا طول الوقت محاولة إصلاح عيوبهم وعلاج أخطائهم، يقررون- بدلا من ذلك- تشويه كل الناس حولهم حتى يتشابه الجميع فى النهاية، فلا يبقى هناك أى احترام لأى أحد أو أى معنى.. ولا يبقى هناك مَن ينجح دون استعانة بالشياطين والأيادى الخفية.. لا أقصد أيضا الإعلام، ولا أُحمله أى مسؤولية، فالشارع بات أكثر قسوة من أى شاشة أو ميكروفون أو كاميرا أو تعليق فى صفحات التواصل الاجتماعى.. وسيشتمنى هؤلاء بسبب أو بدون سبب، وبعدما يقرأون أو حتى دون قراءة ما كتبته.. هؤلاء الذين تعلموا عشق الفوضى وإهانة الآخرين، وأصبحوا يخافون من الغناء أو الفرحة أو الرقص تحت المطر.