طالب قداسة البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، الشباب المسيحي بالتحلي بالحكمة للحفاظ على استقرار الوطن، مشددا على أهمية الحوار في حل المشكلات، داعيا أقباط المهجر إلى الاقتداء بموقف الكنيسة الأم.
وفي مقابلة مع برنامج «لقاء خاص» على القناة الأولى بالتليفزيون المصري، مساء الاثنين، قال البابا شنودة: «أطلب من أبنائنا أن يهدأوا لأن الهدوء يمكنه حل جميع الموضوعات، وأحب أن أقول لأبنائي في القاهرة أيضا إن تظاهرات كثيرة قد حدثت وفي مجموعها ليست من الأقباط فقط، لأن الكثيرين قد ركبوا الموجة ودخلوا باسم التعاطف مع أحداث الإسكندرية وهم بعيدون كل البعد عن المشكلة».
وأضاف البابا شنودة «إن هتافات البعض تجاوزت كل أدب وكل قيم، بأمور لا يمكن أن نرضاها ولا يمكن أن تصدر أيضا عن مسيحي أو مسلم يتمسك بالقيم والخلق الكريم».
وقال: «رأينا هذا بأنفسنا وبعضهم حاول استخدام العنف وليس هذا بأسلوبنا إطلاقا، ولكن كما أقول فإن عناصر تكلمت باسم الأقباط وهم بعيدون عن الأقباط وقيمهم وأساليبهم ولكننا لا نوافق على التجاوزات التي حدثت».
وأكد البابا شنودة أنه سيترأس قداس عيد الميلاد المجيد الخميس المقبل في الكاتدرائية المرقسية، موضحا أن منع الاحتفالات لن يحل المشكلة.
وقال البابا شنودة «أبنائي الأعزاء في كنيسة القديسين بسيدي بشر أعزيكم في استشهاد 20 من البررة بلا أي ذنب، كانوا يصلون وخرجوا من الصلاة إلى لقاء ربهم، وأشعر أنهم قد وصلوا إلى جنة الفردوس. أعزيكم جميعا في مصر وخارجها».
وأضاف «استقبلت أمس (الأحد) فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر (الدكتور أحمد الطيب) ومفتي الجمهورية (الدكتور علي جمعة) وكذلك وزير الأوقاف (الدكتور محمود حمدي زقزوق)، وجميعهم يعزون في الموتى، كما تلقيت تعازي من مفتي لبنان (الشيخ محمد رشيد قباني) وفخامة الرئيس اللبناني (العماد ميشيل سليمان)، وتلقيت أيضا تعازي من القدس نقلها إليّ نيافة مطران القدس من جهة جميع الكنائس بفلسطين، وكذلك شخص الرئيس الفلسطيني (محمود عباس) أبومازن».
وتابع البابا شنودة أنه تلقى أيضا تعزية من روسيا، وقال: «جميع الجهات تعاطفت معنا، وقد اهتمت الصحف بإبراز تعليقاتها على تلك المذبحة التي حدثت في الإسكندرية، وأيضا حديث الرئيس مبارك عن هذا الموضوع مصرا على تتبع الجناة ومعاقبة المخطئين».
وأكد بابا الإسكندرية أنها المرة الأولى في العصر الحاضرالتي تحدث فيها تفجيرات من هذا النوع، مما أصاب الجميع بالفزع سواء من الأقباط أو المسلمين، لافتا إلى أنه استقبل، يوم الأحد، نحو 10 وزراء بالحكومة لتقديم التعازي، وهو ما يؤكد أن الجميع يشعر بأن كارثة حدثت بالفعل.
واتهم البابا شنودة بعض العناصر والهيئات السياسية التي لها اتجاهات خاصة بالمشاركة في المظاهرات لتحقيق أهداف خاصة، وقال «إن بعض الهتافات تجاوزت كل أدب وكل قيم، بأمور لا نرضاها، وبعضهم حاول استخدام العنف، بينما العنف ليس من أسلوبنا إطلاقا».
وأضاف البابا شنودة أن عناصر اندست وتكلمت باسم الأقباط وهم بعيدون عن قيمنا ونحن لا نوافق على التجاوزات التي وقعت، لافتا إلى أن الإنسان في ثورته تقوده الأعصاب لا العقل، والأعصاب تمنع العقل من التصرف وتبقى المسيطرة على الموقف، ومن السهل أن تخطئ الأعصاب إذا غاب العقل.
ودعا البابا شنودة الجميع إلى التحكم عقليا فيما يفعلونه، وأن يحسبوا رد الفعل، فربما يخسر الإنسان القضية التي يغضب من أجلها بأسلوبه الغاضب في التعبير، وقال: «كلنا نغضب في مواجهة ما يحدث من شرور، لكننا نحسب حسابا لما نفعله وردود الفعل عليه، وهكذا تتدخل الحكمة».
وأضاف أنه لا يقصد بكلامه كبت المشاعر، لكنه يدعو إلى ضبط المشاعر حتى لا نقع في الخطأ، وقال: «شعورنا بأن الله يتدخل في كل مشكلة حتى وإن كان بها الشر فهو قادر على تحويل الشر إلى خير يجعلنا نشعر بالفرح بوجود الله إلى جانبنا».
وأشار البابا شنودة إلى بعض مشاكل الأقباط التي يجب حلها، مضيفا أن الجميع يؤمن بسيادة القانون وأهميته وأي دولة لا يوجد بها قانون تختل، وعدالة القانون هي من ضمن شروط المساواة بين الكل في قانون واحد.
كما أشار إلى أن بعض الدول «إذا وجدت قانونا يسيء للبعض فإن الدول تصحح تلك القوانين أو تسن قوانين جديدة»، لافتا إلى أهمية الشراكة بين أبناء الوطن وأهمية المجالس التشريعية التي تسن القوانين أو تعدلها كي تتناسب مع راحة الشعب كله بلا استثناء.
وأوضح البابا شنودة أن كلمة مواطنة تعني أن كل إنسان في مصر مواطن ويتمتع بكل حقوق المواطنة بلا نقص أو تمييز. وقال: إن كلمة أبناء الوطن تشمل الجميع ومن بينهم أبناء مجلسي الشعب والشورى وكل هيئات السلطة والإدارة وجميعهم على معرفة بمشاكل الشعب ويتحملون المسؤولية.
وحذر من أن «عدم حل تلك المشكلات سيتسبب في تصرفات من قبل البعض يقومون بها من أجل لفت الانتباه إليهم، فكلنا أبناء الوطن وسوف نحاسب أمام الله على كل التصرفات وهل قمنا بخدمة المواطنين أم لا»، مؤكدا أنه لا يقصد مشاكل الأقباط فقط، لكن هناك مشاكل أخرى مثل البطالة وارتفاع الأسعار، وكلها تهم أبناء الوطن جميعا.
كما أشار إلى أن هناك من يحاول تسخير الأشخاص الذين يشكون من أوضاع اقتصادية في اتجاه معين، مدعيا أنه يعمل لصالحهم. وأكد أنه يتعين حل المشكلات القائمة في حدود الإمكانيات المتاحة ولا يمكن مطالبة الدولة بما يفوق مستواها.
ورأى البابا شنودة أن عبارة الوحدة الوطنية تعني وحدة في العمل والفكر والمشاعر، وبذلك تتحول إلى وحدة وطنية.
وأوضح أن الوحدة كما هي بين المسلمين والأقباط يجب أن تكون أيضا على مستوى الأحزاب والسياسة بحيث لا يكون هناك خط يسير في اتجاه وخط يسير في اتجاه ضده.
وشدد البابا على أن «الوحدة في حاجة إلى مفهوم عام يؤمن به الجميع، ويتعين وجود وسيلة لتحقيق هذا المفهوم، وذلك بخلق ثقافة اجتماعية وسياسية، كما نحتاج إلى تثبيت قيم معينة تقوم على التعاون ووحدة القلب والمشاعر».
وأعرب البابا شنودة عن أمله في استمرار التوحد بين أبناء الشعب المصري الذي ظهرت دلائله عقب أحداث كنيسة القديسين، وقال إن «ذلك يتطلب تفاهم أبناء الشعب، ويشترك في هذا الأمر الإعلام المرئي والمكتوب، فأحيانا نقرأ في بعض الصحف تناقضات في التعامل مع الأحداث بعضها يدعو للتفاؤل وأخرى ليست كذلك، وربما يكون ذلك نتيجة طبيعية لتعدد الأحزاب، لكن نتمنى من الأحزاب أن تجمعها وحدة وطنية».
وحول رأيه في تناول وسائل الإعلام والصحف للقضايا الدينية، قال البابا شنودة إن «بعض الصحف تهتم بالسبق في النشر دون التأكد من صحة الخبر، وأحيانا يتم نقل أخبار على شاكلة (جاءنا من مصدر موثوق) دون التأكد من الحقيقة، وأنا شخصيا أقرأ أخبارا تخصني لا أساس لها من الصحة».
وأضاف أن بعض الصحف تلجأ إلى الإثارة سواء من الناحية المالية أو السياسية أو حتى الجنسية، وكل ذلك موجود في عدد من الصحف لكن علينا البحث عن الصحف التي تكتب أخبارا صحيحة ليس لها ردود فعل سيئة.
وحول لقائه، الأحد، بفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، قال البابا شنودة إن اللقاء كان لتقديم العزاء وهو يشكر عليه، والأمر الثاني الذي تناوله اللقاء هو التفكير في تكوين ما يسمى ببيت العائلة المصرية والأسماء المقترحة للعضوية في هذا البيت بهدف التباحث حول الموضوعات المشتركة.
وأكد البابا شنودة «أننا سنحتفل بعيد الميلاد الجديد لأن ميلاد السيد المسيح هو حدث هام بالنسبة للمسيحيين، ولولاه ما صرنا مسيحيين»، مشيرا إلى أن «عدم الاحتفال بالعيد معناه أننا غير متدينين من جهة، ومن جهة أخرى تصعيد الأمور بطريقة لا توصل إلى نتيجة، إضافة إلى أن عدم الاحتفال به يعني أننا تحكمنا الأعصاب وليس العقل والحكمة».
ووجه بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية دعوة إلى أقباط المهجر مفادها أنه «يتعين أن يكون لكم والكنيسة الأم سياسة واحدة».
وقال البابا شنودة إنه يوجه كلمة أخرى إلى أبنائه في القاهرة الذين تكثر تظاهراتهم ويندس بينهم كثيرون يسيئون إليهم بالتصرفات الخاطئة التى تنسب إلى الأقباط رغم أن الأقباط ليس لهم علاقة بها
واختتم البابا شنودة حديثه بالقول: «إن البلد بلدنا جميعا وخيره خير لكل واحد فينا والضرر فيه ضرر لكل واحد فينا.. فليتنا جميعا نعيش في محبة وفي سلام ولا نترك سببا يجعل الغير يتدخل في أمورنا».