أثار الحادث الإرهابى، الذى استهدف كنيسة «القديسين»، وأسفر عن مقتل 21 وإصابة 97 آخرين، غضب جميع مثقفى الإسكندرية، الذين اجتمعوا على وصف الحادث بـالإجرامى، الذى لا ينتمى إلى دين، ومرتكبيه بـ«القتلة» و«المجرمين» و«السفهاء» و«دعاة الكراهية»، ووجهوا دعوة إلى شباب المسلمين بأن يقفوا لتكوين «درع بشرية» أمام الكنائس لحمايتها، تحسباً لأى اعتداءات مشابهة.
«أرى فيه عملاً سافلاً ووضيعاً، ولا يدل إلا على سفالة فاعله ووضاعته، أياً كان هذا الفاعل، وأياً كانت الأسباب التى دفعته لذلك»، هكذا عبر الكاتب والروائى الدكتور يوسف زيدان عن أسفه لما شهدته منطقة سيدى بشر من أحداث إرهابية، أودت بحياة 21 بريئا من المسلمين والمسيحيين.
أضاف لـ«إسكندرية اليوم»: «لا توجد فرضية واحدة تبرر القتل العشوائى لمسلمين ومسيحيين، أو تابعين لأى ديانة أخرى، لأن قتل الناس على أساس عقائدى هو جريمة ضد الإنسانية جمعاء»، مستشهداً بالآية الكريمة «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً».
وقال إن مرتكبى الحادث خالفوا بجريمتهم هذه ما يجب أن يكون عليه الإنسان، سواء كان مسلماً أو مسيحياً، مشيراً إلى وجود العديد من «علامات الاستفهام» و«الاتهامات العشوائية» التى لا تهدف إلا «لإشاعة الفوضى» فى المجتمع، الذى طالما اجتمعت فيه الأديان وتجاورت فى سلام.
وتابع زيدان: «لولا كلمة سبقت لقلت إن هذا الفعل لا يمكن أن يقع بمصر، ولكننا نعيش زمناً اختلطت فيه مفاهيم مشوهة، وصار الأبرياء يدفعون حياتهم ثمناً لرغبات ومصالح أفراد بعينهم، يحجبون أنفسهم خلف ستار، ويزعمون أنهم الناطقون بإسم الإله على الأرض، والوقائع القديمة والحالية تؤكد أنهم كاذبون ومجرمون».
من جانبه، أدان الدكتور إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية، الحادث الإرهابى «الآثم» الذى استهدف كنيسة «القديسين» ليلة رأس السنة، معرباً عن استهجانه للحادث ومن يقف وراءه، ممن وصفهم بـ»دعاة الكراهية».
وقال «سراج الدين»: «ينبغى علينا جميعا، ونحن فى بدايات عام جديد، يفكر فيه الناس من أصحاب النوايا الحسنة فى إحلال السلام بالعالم، ويتطلعون فيه إلى عام سعيد ومزدهر، إعادة تأكيد القيم الأساسية التى نؤمن بها، وأن نمد يد الصداقة والمساعدة إلى أسر الضحايا، وأن نشجب تلك الأعمال الإجرامية ومن يرتكبها».
وشدد على ضرورة مضاعفة الجهود من أجل نشر فهم أفضل لمعنى المواطنة واحترام حقوق الإنسان وتعزيز ثقافة السلام فى المجتمع، منوّها بأهمية إعادة تأكيد أولوية قيم الانفتاح والتنوع والحوار والفهم المتبادل. وأضاف: «إذا آمن كل منّا إيمانا عميقا بتلك القيم وطبّقها فى حياته اليومية، فإننا فى تلك الحالة فقط سنتمكن من بناء المجتمع الذى نؤمن به».
ودعا الدكتور خالد عزب، مدير إدارة الإعلام بالمكتبة، مدير مركز الخطوط بالإنابة، شباب المسلمين إلى تكوين «درع بشرية» أمام الكنائس، يوم الجمعة المقبل، أثناء أداء الأقباط مراسم قداس عيد الميلاد، لحماية الكنائس من أى هجمات جديدة، وتوجيه رسالة إلى الإرهابيين بأن من يرغب فى الاعتداء على إخوانهم الأقباط يجب أن يعتدى عليهم أولاً.
وأعرب «عزب»، الذى تصادف كونه من سكان منطقة الحادث بسيدى بشر، عن «حزنه العميق» لوقوع مثل هذه التفجيرات فى المحافظة التى تتميز بطبيعتها «الكوزموبوليتانية» المتسامحة، حيث ضمت العديد من الأديان والثقافات والحضارات.
وقال إن الشارع الذى وقعت به التفجيرات يسكنه مسلمون أكثر من المسيحيين، ومرتكب الحادث لم يستهدف الأقباط وحدهم، بل المصريين كلهم، دون تمييز فى الدين.
وأصدر اتحاد كتاب الإسكندرية، برئاسة الدكتور محمد زكريا عنانى، بياناً أدان فيه الحادث، الذى وصفه بـ»القضية القومية» التى تمثل جميع المصريين مسلمين ومسيحيين.
وقال «عنانى»: «عشت طفولتى بين جيران وأصدقاء من مسيحيى مصر، لا نعرف عداوة على الإطلاق، وتتلمذت على يد المرحوم راغب توفيق، الذى أعطانى أولى التوجيهات حول كيفية إعمال التفكير قبل الانفعال، وعلمنى أن أنظر إلى الدنيا من زواياها المختلفة».
وأكد أن ثقافة الاختلاف طالما لاقت احتراماً من جميع المثقفين، وأضاف: «أن يصل الأمر إلى حد القتل والتفجير، فهذا أمر يخرج عن حدود الدين والعقل والضمير والأخلاق، وليس لدى ما أقوله سوى حسبنا الله ونعم الوكيل فيما يفعل السفهاء».
فى السياق نفسه، عبرت مؤسسة «آنا ليند» للحوار بين الثقافات عن تضامنها مع الضحايا وأسرهم، وأعلنت أنها ستكثف مجهوداتها من أجل تعزيز الحوار فى المنطقة الأورومتوسطية، بالتعاون مع جميع الجهات التى تؤمن بضرورة القضاء على ثقافة الكراهية، وبناء مجتمعات على أساس من الاحترام المتبادل بين الأفراد ذوى الأصول والتقاليد والمعتقدات المختلفة.
وذكر بيان صادر عن المؤسسة أن الهجمة الإرهابية تهدف إلى إثارة التوترات الطائفية بين مختلف المجموعات الدينية، التى تتعايش بسلام فى مصر منذ قرون عدة، مندداً بمحاولة توظيف الأديان لتحقيق أغراض العنف والإرهاب، بدلاً من الدعوة للسلام والأخوة.
أضاف البيان: «العلاقات السلمية بين المسيحيين والمسلمين فى مصر، تعد نموذجاً أساسياً للتعايش بين مختلف المجموعات الدينية فى منطقة الشرق الأوسط، مهد جميع الأديان، ولذا تشعر مؤسسة «آنا ليند» بأنها اقرب من أى وقت مضى من الشعب المصرى، ومؤسساته، من أجل الحفاظ على هذا التراث المتنوع، الذى يمثل أساس بناء السلام والحرية فى منطقة البحر المتوسط».