مطالب عديدة هتف بها آلاف المتظاهرين الذين حاصروا السفارة الإسرائيلية في الجيزة.. طلبات كانت تبدو حتى قبل أيام من ثورة الخامس والعشرين من يناير «طائشة» فيما كان الرد على بعضها أن مصر «لا تضع يدها في فم الأسد»، حسب تعبير الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، خلال حرب إسرائيل ضد لبنان في صيف 2006.
مطالب المتظاهرين تراوحت بين «طرد السفير» و«تعديل اتفاقية السلام» و«قطع الغاز» وحتى «تسليم قتلة الجنود للسلطات المصرية» ووقف التطبيع، وهي مطالب تؤكد أن هناك واقعًا قد تغير، وترسم طريقة أخرى للتعامل مع «الدولة العبرية» دون خوف من «فم الأسد»، فهل تنجح الإدارة المصرية في اقتناص فرصة تاريخية نادرة، للتخفف من «أعباء» الماضي بعد مقتل جنودها برصاص الجيش الإسرائيلي؟ هل تنجح القاهرة في استثمار غضب شعبي هادر وتعاطف إقليمي ودولي، لتنزع أبجديات علاقة جديدة مع الدولة العربية التي تبدو منكمشة في الزاوية تنظر للمستقبل بقلق؟
طرد السفير
كان المطلب الأساسي للمتظاهرين هو طرد سفير تل أبيب من مصر، ورغم أن السفير غير موجود بالقاهرة منذ فترة، إلا أن المطلب نفسه تكرر منذ توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية (1979)، وتطور مع كل اختراق تنزف فيه الحدود المصرية دمًا صامتاً، بلا رد.
القانون الدولي يعتبر السفارات جزءاً من التراب الوطني لدولة السفارة، ويعطي القانون نفسه، الحصانة لأفراد البعثات الدبلوماسية، لكن هذه الحصانة ليست مطلقة، فأمام الجرائم الجنائية تسقط الحصانة عن أفراد البعثة الدبلوماسية، فمثلا هرب أكثر من مسؤول إسرائيلي من العاصمة البريطانية لندن في الفترة من ديسمبر 2009 وحتى يوليو 2010، تجنبا لأمر ضبط وإحضار أصدرته المحاكم البريطانية، وحتى وزيرة الخارجية السابقة، تسيبي ليفني، لم تسلم من الأمر نفسه.
ورغم احتمالات سقوط الحصانة على الأفراد، إلا أن المباني التي تضم السفارة تعتبر «أرضًا وطنية»، فالسفارة المصرية في تل أبيب تعتبر أرضًا مصرية، وبالمثل السفارة الإسرائيلية في القاهرة، ولا يجوز لأجهزة الأمن المصرية دخولها إلا بإذن مسبق. رغم ذلك يحق للدولة المضيفة أن تعتبر فرداً بعينه، أو مجموعة أفراد من البعثة الدبلوماسية لأي دولة «غير مرغوب فيهم» أو Persona non grata بالتعبير القانوني الدبلوماسي الشائع.
ولا قيود على وصف دبلوماسي بأنه غير مرغوب فيه على الدولة المضيفة، حيث إن اتهام شخص من قبل الدولة المضيفة بأنه يمارس أعمالًا تتعدى حدود التمثيل الدبلوماسي، يعد مبرراً كافيًا لطرده، وعلى الدبلوماسي وقتها، بحكم القانون، حزم أمتعته والتوجه إلى بلاده في مدد تتراوح ما بين 24 و48 ساعة على الأكثر.
القانون الدولي لم يجعل من طرد السفراء إعلانا للحرب، على الإطلاق، وحتى العرف الدولي يعتبر ذلك دليلًا على توتر في العلاقات، وليس إعلانًا للحرب، فإيران طردت السفير الكندي في 2007، والكويت طردت 3 دبلوماسيين إيرانيين في 2010، و فنزويلا طردت السفير الإسرائيلي احتجاجا على عملية الرصاص المصبوب ضد قطاع غزة.
ويمكن لمصر قانونًا طرد السفير، أو اعتباره شخصًا غير مرغوب فيه على الأراضي المصرية، وغالبا ما يترتب على هذه الخطوة تسمية سفير آخر بعد فترة.
اتفاقية «الكويز»
هي اتفاقية تجارية بين الولايات المتحدة ومصر وإسرائيل، وهي نسخة طبق الأصل تقريباً، من اتفاقيات مماثلة عقدت مع تركيا عقب إعلان تحالفها العسكري مع إسرائيل في 1996، ومع الأردن في 1999 بعد توقيع اتفاقية وادي عربة (اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية) في 26 أكتوبر 1994 برعاية أمريكية.
بدأت فكرة الكويز مع اتفاقية تجارية بين واشنطن وتل أبيب، تقضي بفتح الأسواق الأمريكية أمام البضائع التي يشكل المكون الإسرائيلي فيها 35%، وذلك بهدف دعم الاقتصاد الإسرائيلي الذي كان يعاني أزمة حرجة، حيث ضغط اللوبي المؤيد لإسرائيل على إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في 1996 لإصدار القانون رقم 69555 الذي يتيح تخفيض الجمارك الأمريكية على البضائع ذات المكون الإسرائيلي.
«الكويز» هي اختصار لـ«اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة» أو qualified industrial zones، ووقعتها مصر في 14 ديسمبر 2004، بعد أشهر من تولي الدكتور أحمد نظيف، المحبوس حاليا على ذمة قضايا فساد، مسؤولية رئاسة مجلس الوزراء في يوليو 2004.
وحسب الاتفاقية، تفتح الولايات المتحدة الأمريكية أسواقها، بإعفاء جمركي، أمام السلع التي يكون المكون الإسرائيلي فيها 11.7%، وتم تحديد مناطق القاهرة الكبرى والإسكندرية (برج العرب والعامرية) وكذلك المنطقة الصناعية في بورسعيد كمرحلة أولى لتطبيق الاتفاقية، التي اعتبرتها حكومة تل أبيب «أكبر إنجاز» للدبلوماسية الإسرائيلية منذ توقيع اتفاق السلام مع مصر.
في الدول التي وقعت قبل مصر، أدت الاتفاقية لأضرار اقتصادية، ففي الأردن تحول الفائض التجاري لصالح المملكة إلى عجز في الميزان التجاري لصالح إسرائيل، وزادت واردات الأردن من المصانع الإسرائيلية، من 29 مليون دولار في 1999 إلى 133.9 مليون دولار في 2003، في الوقت الذي أنشأت فيه الولايات المتحدة 13 منطقة صناعية في الأردن لخدمة الاتفاقية.
أما تركيا، الحليف الاقتصادي والعسكري الأقوى في المنطقة لتل أبيب، اشتكى المصدرون الأتراك من رداءة المنتج الإسرائيلي، مما أثر سلبًا على صادرات تركيا للاتحاد الأوروبي، وهو السوق الكبري التي تتوجه إليها تركيا، فيما ارتفعت الصادرات للولايات المتحدة بنسبة 13%، لكن قيود الاتحاد الأوروبي أثرت على قطاعات الصناعة التركية بشكل حاد.
والاتفاقية لا ترتب أي مسؤولية على مصر في حالة إلغائها، سوى أن يسقط الإعفاء الجمركي على بعض السلع المصدرة للولايات المتحدة، بينما يمكن أن تعوض مصر النقص في الصادرات، بالتوجه للاتحاد الأوروبي ودول أفريقيا، خاصة مع عزم تجمعات الكوميسا، وشرق أفريقيا إنشاء منطقة تجارة حرة مع مصر عقب الثورة.
وأثارت الاتفاقية وقتها، اعتراضًا سياسيًا كبيرًا، وتذكر الجميع قصة رجل الأعمال الإسرائيلي صاحب شركة دلتا دكستايل ايجيت بمدينة نصر، عزام عزام، كأشهر قضية تجسس صناعي لصالح تل أبيب على مصر، حيث أدين عزام بالتجسس والعمل على الإضرار بمصالح مصر الاقتصادية لصالح إسرائيل في 1996، رغم المرافعات المطولة لمحاميه فريد الديب، محامي الرئيس المخلوع حاليا.
وظل عزام في السجن، حتى أفرج عنه بوساطة من رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، أريل شارون في 2004، وعاد إلى تل أبيب ليعرب عن امتنانه لـ«الرئيس مبارك والوزير عمر سليمان».
قانونًا يمكن لمصر أن تنهي العمل باتفاقية الكويز، كما يطالب المتظاهرون، دون أن يعتبر ذلك عملًا عدائيًا، حيث أنهت دول مثل الهند والصين وسنغافورة وماليزيا، عقودا تجارية واتفاقيات مع الولايات المتحدة، في الأزمة العالمية التي ضربت دول جنوب شرق آسيا في التسعينيات.
المنطقة «ج».. تعديل الفراغ
بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، طالبت قوى المعارضة في مصر بإلغاء الاتفاقية، أو على الأقل تعديلها، خاصة فيما يتعلق بالمنطقة «ج» وهي المنطقة الممتدة من وسط سيناء إلى الحدود مع فلسطين المحتلة، بطول خط الحدود البالغ نحو 245 كيلومترًا من طابا جنوبا، وحتى رفح المصرية شمالا.
في تلك المنطقة، تنشر مصر نحو 750 عسكريًا، مسلحين بأسلحة خفيفة، بعضها يقتصر على هراوات فقط، وقبل خلعه بنحو عام طلب الرئيس المخلوع، محمد حسني مبارك، موافقة إسرائيل على نشر 750 جنديًا إضافيين لتأمين معبر رفح, خوفا من اقتحامه تحت ضغط الحصار.
أمام السفارة الإسرائيلية تراوحت المطالب بين تعديل الاتفاقية، وإلغاء العمل بها، وفيما يخص التعديل، فالفقرةD من المادة الرابعة من معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية تنص صراحة على أنه «يتم بناء على طلب أحد الطرفين إعادة النظر في ترتيبات الأمن المنصوص عليها في الفقرتين 1، 2 من هذه المادة وتعديلها باتفاق الطرفين». والفقرتان المشار إليهما يتحدثان عن «ترتيبات أمن متفق عليها بما في ذلك مناطق محدودة التسليح في الأراضي المصرية والإسرائيلية وقوات أمم متحدة ومراقبين من الأمم المتحدة.. وكذلك أي ترتيبات أمن أخرى قد يتفق عليها الطرفان».
تملك مصر الحق القانوني في تعديل الاتفاقية لعدة أسباب: أولا مرور أكثر من 33 عاما على توقيعها، دون إخلال الطرف المصري بأي من التزاماته فيها، وثانيا، وحسب العرف الدولي، تعامل الدول بالمثل في الاتفاقيات التي تتم برعاية دولية، لذلك يمكن لمصر أن تطالب بذات صلاحيات إسرائيل في المنطقة D، وهي التي تمثل الشريط الضيق من الحدود الفلسطينية المصرية، والتي يسمح فيها لإسرائيل بنشر 4 كتائب مشاة، مع جميع منشآتها العسكرية، والتحصينات الميدانية، وتتضمن القوة الإسرائيلية هناك، صواريخ أرض جو، و180 مركبة أفراد مدرعة من جميع الأنواع، وحتى إجمالي 4000 فرد مسلح.
تسمح الاتفاقية لمصر بوجود طائرات غير مسلحة في المنطقة «أ» قرب قناة السويس، ويتقلص عدد الطائرات غير المسلحة إلى 8 طائرات فقط في وسط سيناء، فيما تحرم مصر تماما من وجود أي طائرات مسلحة في المنطقة الحدودية، فيما يسمح لإسرائيل بحشد طائرات في المنطقة D ، وهنا يمكن لمصر أن تطالب على الأقل بالتعامل بالمثل، فضلا عن ذلك فالمنطقة «ج» نحو 5 أضعاف المنطقة D، وتحتاج لتأمين مضاعف بالتالي.
أيضا يمكن أن يكون قطاع غزة تحت شروط معاهدة السلام، وهذا يعني ضمه إلى المنطقة D، باعتبارها كانت تحت الإدارة المصرية منذ اتفاق الهدنة في 1949، وحتى بداية حرب 1967، وبالتالي تضطر إسرائيل لسحب أي دبابات أو مدفعية أو طائرات مسلحة من غزة ومحيطها.
نزيف الغاز المصري
وقعت الحكومة المصرية عام 2005 اتفاقًا مع إسرائيل لتصدير 1.7 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي، وذلك لمدة 20 عامًا، بسعر يتراوح ما بين 70 سنتًا و1.5 دولار أمريكي لكل مليون وحدة حرارية، فيما يصل سعر تكلفة الوحدة الحرارية إلى 2.6 دولار.
ويمتد الخط الذي يغذي شبكة الكهرباء الإسرائيلية بالغاز المصري لمسافة تقترب من 115 كيلومترًا، من المحطات الرئيسية حتى عسقلان المحتلة، وتستخدم إسرائيل الغاز المصري لإنتاج أكثر من 40% من الطاقة الكهربية، حيث تحتاج الصناعات الإسرائيلية، خاصة العسكرية، والصناعات الثقيلة، لمصدر رخيص ونظيف للطاقة.
تتضمن اتفاقية الغاز أيضا إعفاءً ضريبيًا لشركة الغاز الإسرائيلية لمدة 3 سنوات انتهى في أواخر 2008، ورفضت قوى سياسية عديدة الاتفاقية التي وقعتها الحكومة مع شركة غاز المتوسط التي كان يملك أغلب أسهمها رجل الأعمال الهارب حسين سالم، وشركة «إمبال» الأمريكية الإسرائيلية، وشركة «بي تي تي» التايلاندية.
وتلوح الشركات الإسرائيلية باللجوء للتحكيم الدولي إذا انقطع الغاز المصري، في الوقت الذي تنظر فيه محكمة مصرية قضية فساد ضخمة تتعلق بالصفقة، ويمكن للقاهرة أن تحتج لدى المحكمة الدولية، في حالة التحكيم، بأن الصفقة وقعها أفراد غير ممثلين عن الشعب المصري، ومتهمون بالفساد، كما يمكن للحكومة المصرية أن تقطع الغاز باعتباره «يستخدم في انتهاكات ضد حقوق الإنسان»، وذلك بمراجعة استفادة المصانع العسكرية الإسرائيلية من الغاز، والاعتماد على تقارير حقوقية وأممية (منها تقرير جولدستون) تثبت الانتهاكات.
وكانت دول مثل البرازيل، وتشيلي، وفنزويلا قد اتخذت خطوات مماثلة، وألغت اتفاقيات اقتصادية متعلقة بالطاقة (الغاز والبترول تحديدا)، دون أن تصل للتحكيم الدولي، كما فسخت تشيلي عدة عقود واتفاقيات اقتصادية، بدعوى أن من وقعها شخص لا يمثل الشعب الشيلي، وهو الديكتاتور الشيلي أغسطو بونشيه الذي وصل للسلطة بانقلاب عسكري دعمته الولايات المتحدة، في سبتمبر 1973، وتمت الإطاحة به في أغسطس 1990، ليتوفى في 10 أغسطس 2006.
أسف أم اعتذار؟
ظلت تل أبيب وأنقرة، تتمتعان بعلاقات استراتيجية قوية، فمن تحالف اقتصادي قوي، إلى تحالف عسكري ومخابراتي، جعل تركيا الشريك الأكبر لإسرائيل عسكريا بعد الولايات المتحدة، وجدت تل أبيب نفسها في مأزق مع الحليف الدائم للدولة العبرية، بعد مقتل 19 وإصابة 26 من النشطاء الذين حاولوا كسر الحصار المفروض على قطاع غزة بحرا فيما عرف بأسطول الحرية.
9 أتراك من بين الشهداء الذين هاجمتهم وحدة من القوات الخاصة الإسرائيلية، في 31 مايو 2010، وقتها أعلنت أنقرة موقفها المندد بالحادث، مطالبة تل أبيب باعتذار علني للدولة التركية عن قتل مواطنيها، وهو الاعتذار الذي لم تعطه إسرائيل لحليفتها التركية، ورفضته علنا أكثر من مرة.
في أزمة أسطول الحرية، وتحديدًا السفينة التركية مافي مرمرة، كان التعاون العسكري والمخابراتي والاقتصادي قائما، فيما كانت الساحة الدبلوماسية ميدان السجال بين الحليفين.
منذ تأسيسها على أرض فلسطين المحتلة عام 1948، لم تقدم أي حكومة إسرائيلية أي اعتذار رسمي عن أي عمل عسكري على الإطلاق، وحتى حين قتلت طائراتها 30 تلميذا مصريا في مدرسة بحر البقر، في أبريل 1970، رفضت تقديم أي اعتذار، وحين اقتحمت العاصمة اللبنانية بيروت، وأتت برئيس للدولة اللبنانية على دبابة وفرضته على الجميع، لم تقدم أي اعتذار.
الاعتذار يعني ضمنًا الاعتراف بالمسؤولية القانونية عن الواقعة، وتجنب إسرائيل للاعتذارات يحمي كامل التسلسل القيادي الذي أمر وخطط وجهز ونفذ لأي انتهاك.
ترفض إسرائيل تقديم اعتذار رسمي، وكل ما حصلت عليه القاهرة حتى الآن هو «أسف لما حدث»، وهو تعبير قانوني يجعل الجريمة «صدفة»، والمتهم «أساء التصرف بغير قصد»، وبالتالي يبدو الحديث عن «تحقيق مشترك» بلا معنى طالما لم تعترف الحكومة الإسرائيلية بمسؤوليتها عن مقتل الجنود المصريين.
إسرائيل من الداخل
تبدو إسرائيل حاليا في أضعف حالاتها، فالحكومة اليمينية التي يقودها تحالف بين بنيامين نتنياهو رئيس حزب الليكود الإسرائيلي، وبعض الأحزاب الدينية ذات الأقلية في مجلس البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، تتعرض لموجة احتجاجات اجتماعية غير مسبوقة، حيث نشأت حركة اجتماعية شعبية، ضد الناخبين الرئيسيين الذين يعتمد عليهم رئيس الوزراء (سكان المستوطنات)، حيث يقود حركة الاحتجاج طالبو السكن الذين يرفضون الاهتمام بالمستوطنين المتشددين دينيا.
في تل أبيب نظم نحو 300 ألف شخص مظاهرات حاشدة، في دولة تعداد سكانها بين 5 و6 ملايين فقط، وشاهد رئيس الحكومة استطلاعات الرأي التي قالت إن أكثر من 80% من الإسرائيليين يؤيدون حركة الاحتجاج، التي ردت بعد أسبوع بمظاهرات من 12 مدينة لرفض سياسات الحكومة، وسط اتهامات متنوعة لحكومة نتنياهو، تبدأ بالفساد، ولا تنتهي بالمطالبة بعدالة اجتماعية.
في هذا الوضع، تجد تل أبيب نفسها على بعد نحو 20 يومًا، عليها أن تستعد خلالها لمعركة دبلوماسية في أروقة الأمم المتحدة، حيث تقود السلطة الفلسطينية، التي تصالحت مع غريمها الغزاوي «حماس»، حملة للاعتراف بدولة فلسطينية ذات سيادة على ما قبل حرب 1967، وهو الحدث الذي كانت تصفه الصحف الإسرائيلية بأنه «تسونامي سياسي» ربما يجعل معادلة الصراع بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال «مفزعة» بالنسبة لتل أبيب.
في مساء الخميس، ارتكبت القوات الإسرائيلية «جريمة معتادة»، حيث حولت أجساد الجنود المصريين على الحدود إلي «لوحة تنشين»، لكن ما فات تل أبيب أن عهد «الفزاعات» انتهى برحيل ومحاكمة الرئيس المخلوع، لذلك اضطرت الحكومة الإسرائيلية للتراجع مع كل ضغط مصري، وإبداء أسف بدأ بوزير الدفاع، ووصل إلى رئيس الدولة، مع إعلان «حماس» إنهاء الهدنة، وغضب القاهرة، ومحاصرة السفارة، وجدت إسرائيل نفسها في حاجة ماسة للتراجع «بأي ثمن» سياسي حتى تمر العاصفة التي أربكت الجميع.