x

«المصري اليوم» ترصد أحزان أسر شهداء حادث الإسكندرية



لم يمهلهم العام الجديد سوى 15 دقيقة وجاءهم بالأحزان وفقدان الأحباب، ليبدأوا 2011 بكارثة، خلّفت أرامل وأيتاماً وأمهات يتجرعن ألم الفراق، وأبناء فقدوا أمهاتهم وآباءهم.


كانوا يأملون فى أن يكون عامهم الجديد مليئاً بالأفراح والأخبار السعيدة، ولكنه فاجأهم بانفجار، حوّل بعض جثث الشهداء إلى أشلاء.


«المصرى اليوم» رصدت أحزان أسر الشهداء، ما بين شاب ترك طفلتيه وزوجته فى مدينة طنطا، وجاء بحثاً عن لقمة العيش داخل الكنيسة ثم عاد إلى مدينته محمولاً فى نعش.. ورجل فقد زوجته وابنته يجلس غير مصدق ما حدث له ليلة أمس الأول.. وموظف لم يمهله القدر أن يكمل شهر العسل، ترك عروسه بعد 18 يوماً من الزفاف.. وفتاة جاءت من سوهاج للبحث عن شقيقتها وابنتها، لم تكن تعرف أنهما بين الضحايا، ذهبت إلى مشرحة المستشفى وهناك كانت الصدمة. كل ما تقوله: «ماذا أقول لأمى التى ترقد مريضة فى سوهاج؟! لو عرفت أنهما ماتتا ستلحق بهما».


«أمجد».. جاء من طنطا بحثاً عن لقمة العيش وعاد جثة فى سيارة إسعاف


«قبل الحادث بأقل من عشر دقائق، اتصل بنا ليهنئنا بميلاد عام جديد، ووعدنا بالعودة إلى منزله بعد أسبوع فى إجازة عيد الميلاد».. بتلك الجملة بدأت كرستين تروى تفاصيل استشهاد زوجها أمجد فى حادث تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، وأضافت: «نقيم فى مدينة طنطا منذ أكثر من 10 سنوات، وسافر زوجى إلى الإسكندرية بحثا عن لقمة العيش، واستيقظت صباح أمس على صوت ابنتى الصغيرة، تقول إن انفجارا حدث فى كنيسة بالإسكندرية وإن التليفزيون يعرض الحادث، فأمسكت بالتليفون وحاولت الاتصال بزوجى، وكان الهاتف مغلقا، فاتصلت بأحد أصدقائه، الذى قال لى إنه مصاب فى الحادث وحالته مطمئنة».


وواصلت: «أسرعت إلى الإسكندرية، وبحثت فى كل المستشفيات التى قالوا إن بها مصابين فلم أجده، حتى قرأت اسمه بين المتوفين»، وقبل أن تنهى كرستين كلماتها انفجرت فى البكاء، وأخذت طفلتيها وركبت الأتوبيس إلى برج العرب للصلاة على الشهداء تمهيدا لنقله إلى مقابرهم بمسقط رأسه.


وقال رامى كمال «محاسب»، الصديق المقرب للضحية: ترك الشهيد زوجته وأبناءه فى مسقط رأسه بمدينة طنطا، وجاء إلى الإسكندرية بحثا عن لقمة عيش يستطيع من خلالها أن يدبر نفقات منزله، واتصل بى قبل الحادث بخمس ساعات تقريبا، واتفقنا على أن نتقابل داخل الكنيسة.


جاء رامى فى موعده وظل ينتظر حتى جاءت الساعة الحادية عشر، لكن أمجد لم يحضر، فاتصل به، وحاول أمجد أن يتنصل من الموعد، وكأنه يعلم بما سيحدث له، ثم قال فى نهاية المكالمة إنه قادم فى الطريق، وجاء إلى الكنيسة وجلس مع صديقه لأكثر من نصف ساعة وأديا الصلاة، وانصرف رامى عائدا إلى منزله، وبعد نصف ساعة سمع خبر التفجير فعاد مسرعا إلى مكان الحادث.


وقال: «كان مشهدا مرعبا.. عشرات من القتلى والمصابين على الأرض، والدماء تسيل منهم، لم أفكر فى صديقى، فقد كنت أعتقد أنه انصرف هو الآخر من الكنيسة، وحاولت الاتصال به بعد دقائق لكن هاتفه كان مغلقا. فانشغلت بإنقاذ المصابين ونقل الجثث إلى المستشفى، حتى فوجئت بجثة أمجد ملقاة إلى جانب بوابة الكنيسة، كانت الجثة مشوهة، لكننى عرفته من ملابسه. ولم أكن أدرى ماذا أفعل، فأمجد يعيش وحيدا فى الإسكندرية، وزوجته وأسرته فى طنطا. اتصلت زوجته بى للاطمئنان عليه، فكذبت عليها حتى لا تصاب هى الأخرى بمكروه. وأبلغتها بأنه مصاب وفى حالة جيدة».


وأكمل رامى: «كل الضحايا كانت أسرهم تسير خلف سيارات الإسعاف التى تنقل جثث أبنائهم، إلا أمجد، فلا أحد من أسرته هنا. فنقلته على كتفى بمساعدة بعض الشباب إلى الكنيسة، حتى حضرت زوجته وأقاربه ونقلوه إلى مدينتهم».


مأساة أسرة تفقد 3 نساء فى لحظة: «زاهية» و«تريزا» و«مارى» ذهبن لقضاء العيد.. ولم يعدن


لم تكن أسرة «فوزى» تعلم أن حضورها قداس العام الجديد بكنيسة القديسين بالإسكندرية كعادتها كل عام، سينتهى يوم الاحتفال بفقدان ثلاثة أفراد منها وإصابة رابع، فقد لقيت «زاهية» و«تريزا فوزى» و«مارى داوود» - ابنة الأخيرة - مصرعهن أثناء الاعتداء الإرهابى على الكنيسة، فيما أصيبت شقيقتها «مارينا» ومازالت محتجزة بالمستشفى.


قال عادل فوزى، شقيق «زاهية» و«تريزا»، إن والدهم توفى يوم 20 ديسمبر الماضى، والأسرة كانت فى حالة حداد وجاءت شقيقتاه وأولادهما لحضور قداس العام الجديد كعادتهما سنويا، و«لم نكن نعلم أنه آخر قداس ونهايتهما وابنة تريزا ستكون فى بداية العام الجديد».


أضاف: «رأيتهن جميعاً فى اليوم نفسه المشؤوم، وكن فرحات بالذهاب للكنيسة لكنهن لم يكن يعلمن مصيرهن».


وأشار عادل فوزى إلى أنه التقى بهن فى اليوم نفسه وكانت علامات الفرح على وجوههن، ودعونه لحضور القداس معهن حتى يحصل على بركة العام الجديد.


وفى الوقت الذى يحاول فيه «عادل» التماسك، تقف شقيقته الثالثة تبكى بحرقة أوجعت قلوب الحاضرين وقالت: «مارى ابنة شقيقتى تريزا التى توفيت كانت تستعد لزفافها ولكنها زفت للسماء، وشقيقتى لم تفعل أى شىء طيلة حياتها حتى تموت بتلك الطريقة البشعة التى ينكرها أى دين وأى شخص». وطالبت بسرعة إلقاء القبض على مدبر هذا العمل الإرهابى «الوحشى» حتى تبرد قلوب عائلات الضحايا. وبعدها ظلت تصرخ: «إخواتى ماتوا إخواتى ماتوا»، وكانت صديقة مارى تقف فى صمت وذهول مما حدث ولم تقدر على الكلام، مكتفية بكلمة واحدة «أصدقائى كلهم ماتوا».


ويقول وليم مكرم أديب فرنسيس، ابن «زاهية»، التى توفيت: «آخر مرة رأيت فيها أمى كانت فى اليوم السابق للحادثة، لأنى كنت عند قرايبى وياريتنى كنت منعتهم من الذهاب للكنيسة فى نفس اليوم ده، ومكنش حصل اللى حصل وفقدت أمى اللى هى كل الدنيا بالنسبة لى».


اللقاء الأخير بين «سميرة» وشقيقتها وطفليها


تركت سميرة سليمان ورديتها الأخيرة بمستشفى مارمرقس لتحتفل مع شقيقتها بليلة الكريسماس، هنأت زملاءها بالمستشفى وتوجهت إلى الكنيسة وهى لا تعلم أن الموت ينتظرها على باب الكنيسة هى وشقيقتها، لا تعلم أنه اللقاء الأخير بينها وبين شقيقتها وولديها.


أصيبت «سميرة» بشظايا أنهت حياتها فى الحال بينما حاول رجال الإنقاذ إسعاف شقيقتها إلا أنهم فشلوا، أما الطفلان فقد توفيا بجوارها بعد إصابتهما بحروق كبيرة.


الضحايا الأربعة شيعت جنازتهم مع الضحايا الـ12 من داخل كنيسة مارمرقس مساء يوم السبت، ولم يحضر الجنازة أى من أقاربهم بسبب سفرهم للعمل بالخارج، وتولى زملاء سميرة بالمستشفى دفن الضحايا الأربعة بعد صدور قرار استثنائى بجواز تسلم أحد زملائها الجثث.


نبيل جورج أحد الأطباء بالمستشفى قال أن «سميرة» كانت تعمل بالوردية الصباحية، وعند انتهاء عملها فى الساعة الرابعة عصراً رفضت أن تغادر المستشفى وأصرت على استمرارها فى العمل، مؤكدة أنها تريد أن تستمر هذه الليلة معهم وتتركهم فى المساء لحضور الاحتفال مع شقيقتها كما تعودت طوال حياتها. وأضاف الطبيب: ذهبت معها إلى الكنيسة وتركتها على الباب بعد أن شاهدت شقيقتها ثم توجهنا إلى الداخل، فجأة سمعت صوت الانفجار وأسرعت إلى الخارج لأجد جثث المصابين تملأ الشارع، حملت طفلاً مصاباً وتوجهت إلى المستشفى لإجراء عمليات الإنقاذ، ووسط الزحمة والصرخات والآلام شاهدت جثة سميرة، والدماء تنزف من جميع جسدها، وبعد الكشف عليها تأكدت من وفاتها، وبعد لحظات شاهدت شقيقتها مصابة بجروح بالغة وفشلت فى إنقاذها.


 

يونان: شاهدت أشلاء الجثث تتطاير أمامى.. واللى عمل كده مش من مصر


يونان غطاس صليب.. أحد المصابين المحتجزين داخل مستشفى شرق المدينة، بعد إصابته فى انفجار كنيسة القديسين.. وبعده تحولت حياته إلى الصمت التام بعد أن فقد السمع وهو يتلقى أولى شظايا الانفجار لتصيب أذنه.


داخل إحدى الغرف يرقد «يونان» ممدداً على سريره بعد أن أسند رأسه على وسادة، وفى يديه تم تعليق المحاليل وأجهزة لقياس النبض والضغط، ويقول يويان الذى يعملا وكيلاً لإحدى المدارس:


«خرجت من الكنيسة وكنت أسير فى الممر باتجاه الباب للخروج بصحبة زوجتى وطفلتى، وكنا فى مقدمة المغادرين، وفجأة سمعت صوت الإنفجار وتفرق جمعنا»، و«اختفت زوجتى من أمام عينى هى وابنتى وسقطت أنا وسط قطع من الأشلاء والجثث محاطة بالدماء بشكل أصابنى بحالة هيستيرية، وعندما صرخت وجدت زوجتى أمام عينى ووجهها كله مغطى بالدماء، ولم أتعرف عليها سوى من صوتها وهى تصرخ باسمى».


تبادره بسؤال حول ابنته الطفلة.. أين ذهبت، ليرد: «بحثنا عنها فى كل مكان، وفجأة وجدناها ملقاة على الأرض وسط الدماء لا تتحرك.. انتابنى حزن شديد ووضعت يدى على فم زوجتى عندما بدأت فى الصراخ وقلت لها.. احتسبيها عند ربنا.. ده قدرنا أنها تموت النهارده».


إحساس يونان بالصدمة لمشهد ابنته، وهى ملقاة على الأرض محاطة بالدماء يظنها ميتة كان «قاسياً» كما يقول لكن سرعان ما عادت الفرحة له ولزوجته مجدداً عندما سمعا بكاءها مجدداً بعدما فاقت من الغيبوبة التى أصابتها.. «كأن الحياة عادت لى مجدداً».. هكذا يصف حالته فور اطمئنانه على ابنته.


ويواصل «عمرى ما شفت المشاهد دى طوال سنوات عمرى الـ56 إلا فى التليفزيون والحروب».. فالجثث تطايرت أمامى من شدة الانفجار وبعدها أصبت بإغماءة لم تستمر سوى دقائق.


ويضيف «إوعى تقوللى إن اللى عمل كدة مصرى.. مش ممكن مصرى يعمل العمل الجبان ده.. دول مأجورين من بره».. هكذا يفسر يونان الحادث الذى يعتقد أن وراءه أيادى أجنبية.. لأننا: «طول عمرنا مسلم ومسيحى عايشين مع بعض وماحدش بيعمل فى التانى كده».


واختتم كلامه قائلاً: «فتنة إيه بس.. اللى عمل كدة مش من مصر وهو ده هدفه إنه يتقال إن فى فتنة عندنا ويفرق بينا.. بص من الآخر إحنا كلنا شعب واحد واللى يشذ منه سواء مسيحى أو مسلم لازم يتعاقب».


يوسف عاد من ألمانيا بعد غربة 8 سنوات.. وترك زوجته فى شهر العسل


جمعتهما صداقة 15 عاماً منذ أيام الدراسة الإعدادية، جاهدا سوياً للسفر للعمل بالخارج بعد التخرج، وحالت الظروف بينهما، بعد أن سافر «يوسف رزق» ألمانيا وبقى «وائل سعد» فى الإسكندرية، وبعد غربة 8 سنوات عاد «وائل» مجدداً ليتزوج، قبل شهرين، ويقرر السفر مرة أخرى بعد الاحتفال بقداس ليلة رأس السنة، لكنه فارق الحياة فى حادث الانفجار، الذى وقع أمام كنيسة القديسين، أمس الأول، لينتقل إلى الآخرة بدلاً من السفر إلى ألمانيا.


لحظات الحزن والألم يرويها صديقه «وائل» لـ«المصرى اليوم» قائلاً: «تزوج يوسف منذ شهرين فقط، وحضر القداس مع زوجته داخل كنيسة القديسين، وفور انتهاء الصلاة حاول الخروج مبكراً، بسبب ازدحام الكنيسة، لكنه تلقى الصدمة الأولى للانفجار وفارق الحياة».


«كان طيباً جداً».. هكذا يصف «وائل» صديق عمره «يوسف» والدموع تغالبه.. يتوقف عن الكلام لحظة ثم يعاود: «مشكلتنا ليست مع المسلمين لكن أنا عاوز أعرف مين اللى قتل صاحبى، شوية يقولولنا معتوه ومرة مخبول.. بقينا بنحارب عدو مجهول الملامح والهوية ومش عارفينه».


ويضيف: «السيارة التى انفجرت مكتوب على زجاجها (البقية تأتى)، ولا أعرف ما معنى هذا الكلام، هل لا يريد مرتكب الحادث أن نذهب للصلاة أم ماذا.. لكن ما أعرفه أن الحكومة تلقت تهديداً منذ شهرين من تنظيم القاعدة وتعاملت معه باستخفاف.. والكنيسة ليلة الاحتفال كانت مؤمنة بعسكرى واحد فقط». «هادئ الطباع ولم نر منه مكروهاً طوال حياتنا».. بهذه الكلمات وصف «وائل» فقيده، متمنياً أن يلهم الله زوجته وإخوته الصبر قائلاً: «وفاته كانت فاجعة لنا وزوجته غير مصدقة ما حدث إلى الآن، فلم يمر على زواجهما سوى شهرين فقط».


«عاوز أعرف هو مات ليه ومين قتله».. هكذا تساءل «وائل» عن سبب وفاة صديقه.


«مريم» كتبت رسالة وداع قبل الحادث على «فيس بوك»


«مريم فكرى» أو «مريوم»، كما أطلقت على نفسها على الإنترنت.. هى واحدة من بين الشهداء فى حادث تفجير الكنيسة.. لن تصدقوا إذا قلنا لكم إنها كتبت على «فيس بوك» قبل ساعات من الحادث أنها سعيدة بمقابلة ربها، وأن قوة الرب أعظم من كل شىء.. وكأنها كانت تشعر بما سيحدث لها فى الساعات الأولى من السنة الجديدة.


مريم كتبت على «فيس بوك».. «قوة الرب من حولك أعظم من كل الضغوط حولك».. و«السعادة هى اختيار يحتاج إلى الجهد أحياناً»، «مريم» فقدت شقيقتها ووالدتها وخالتها فى الحادث.. من تبقى من الأسرة مصيبتهم كبيرة.. 3 من أسرة واحدة كانوا من الضحايا «ملايين من المترددين على «فيس بوك» نقلوا صورها.. وكتبوا كلمات وداع لها ولكل ضحايا الحادث.


أم تبحث عن ابنها


شهد الحادث لقطة إنسانية سجلتها كاميرا «المصرى اليوم» بدأت عندما حضرت أم إلى مكان الحادث وهى تهرول بحثاً عن ابنها الذى كان داخل الكنيسة، وقفت لدقائق تصرخ بمكان الحادث وهى تبحث عن ابنها: «إنت فين يا هانى؟.. إنت فين؟».. وكأنه مشهد سينمائى استمر عندما وقفت السيدة تدعو إلى السماء ألا يكون بين المصابين، ويقف بجانبها شقيق «هانى» يبكى، وهو يسأل فى المكان عن أى شخص شاهد شقيقه.. دقائق وانتهى المشهد عندما ظهر هانى من الداخل، وأسرعت إليه والدته تحتضنه وهى تبكى بعد لحظات عاشتها فى رعب خوفاً من أن يكون ابنها الأكبر بين الضحايا.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية