في الأسبوع الماضي باضت «دجاجة الأزمات» واحدة دموية في ليبيا بسبب قرد أليف محب للمزاح، وتسبب في قتل 16 ليبياً، وجرح 50 آخرين، في اشتباكات دامت 4 أيام بين فصائل قبيلتين لدودتين في مدينة «سبها» البعيدة 660 كيلومتراً عن طرابلس الغرب، إلا أن ذلك القرد ليس الوحيد المسبب سفك الدم البشري بين الحيوانات في المنطقة العربية، فقبله بحوالي 156 سنة، تسبب حمار في لبنان بمجازر راح ضحيتها قتلى وجرحى بالآلاف، من جمر مستعر بالحقد، كان ينتظر أي سبب لينفض عنه الرماد ويشعلها حرائق ويبدأ بالتقتيل.
السعدان الذي يملكه في «سبها» صاحب متجر من قبيلة «القذاذفة» المنتشرة أيضاً بمدينة «سرت» الساحلية على المتوسط، هاجم فتيات مدارس خلال مرورهن بجوار المتجر، وراح يمزح ويتلاعب «وينزع أغطية من فوق رؤوس الفتيات» وفق خبره الوارد الأحد في «العربية. نت» نقلاً عن الوكالات، فغضب منه أفراد من قبيلة «أولاد سليمان» في المدينة، ورموه قتيلاً بالرصاص، ومعه قتلوا 3 قذاذفة، يبدو أنهم هبوا لنجدته ومالكه معاً.
سريعاً تدهور الوضع الأمني، وحدث تصعيد في اليومين الثاني والثالث، وصل حتى إلى «استخدام الطرفين لدبابات وقذائف مورتر وأسلحة ثقيلة»، طبقاً لساكن في المدينة أخبر «رويترز» عبر الهاتف أن بعض الاشتباكات «لا يزال جارياً، والحياة معطلة تماماً في المناطق التي شهدت القتال» بين القذاذفة وأولاد سليمان، الأقوى تسليحاً بين فصائل المنطقة «فسقط قتلى وجرحى، نساء وأطفال، في جنوب الصحراء بسبب القصف العشوائي» على حد ما ذكر المتحدث باسم «مركز سبها الطبي» الذي استقبل الأحد 16 جثة ونحو 50 جريحاً.
هذه المقتلة التي تسبب بها قرد لعوب في ليبيا، حدث أخطر منها بكثير في تقاتل مجزراتي النوع بين طائفتي الدروز والموارنة بشكل خاص في لبنان، وعموماً بين المسيحيين والمسلمين فيه، بحسب مراجعة «العربية. نت» لأرشيف ما حدث، والعثور على أرشيفات عن تفاصيله «أونلاين» سهل لمن يرغب، وفيها أن درزياً يركب حماراً التقى بماروني يركب آخر ربيع 1860 بأحد دروب منطقة «أنطلياس» القريبة في قضاء المتن بمحافظة جبل لبنان 8 كيلومترات عن بيروت.
عاند كل منهما الآخر حول أي حمار يجب أن يعبر أولاً، لأن الطريق ضيقة ولا تسع مرور حمارين، وتطور العناد إلى تلاسن ثم إلى عراك بالأيدي، أنهاه الدرزي بأسلوب السهل الممتنع: أمسك بقضيب معدني كان بحوزته وفجّ به رأس الماروني وأرداه نازفاً، وبعد ساعات اشتعل لبنان ثأراً للقتيل، وفرّخت فيه مجازر بالعشرات، إلى درجة أن صداها وصل حتى إلى فيلسوف الماركسية كارل ماركس في لندن، فكتب عن «القبائل المتوحشة في لبنان»، واعتبر تقاتلها صراعاً طبقياً، وثورة شعبية قام بها الفلاحون الموارنة ضد إقطاعييهم الدروز.
وكان الجمر الأساسي في الموقد، مشكلة صغيرة بين طفلين، درزي وماروني من بلدة «دير القمر» في منطقة الشوف بمحافظة جبل لبنان، فتدخلت عائلتاهما ثم وجهاء الطائفتين، وعادت المياه إلى مجاريها كما كانت تقريباً، لكن الجمر بقي متأججاً تحت الرماد، حتى التقى حمار بحمار في درب ضيق بأنطلياس، لا يسع إلا واحداً، فعم الخراب والقتل لبنان.
المذابح والمجازر عبرت حدود لبنان الحالية، وفرّخت واحدة فظيعة في دمشق وأصغر منها في اللاذقية «حيث بلغ القتلى المسيحيون وحدهم 25 ألفاً»، مما حمل الأمير عبدالقادر الجزائري على تنظيم عمليات إنقاذ أشرف عليها بنفسه واشتهرت دولياً، ورسم فنان بلجيكي عنها لوحة تنشرها «العربية.نت» أدناه، ويبدو الأمير فيها وهو يزور مخيماً لمسيحيات تم إنقاذهن من «حي النصارى» بالعاصمة السورية.
وللتلخيص، فإن ضحايا المذابح والمجازر والتدمير في لبنان، بلغوا 15 ألفاً تقريباً، والأرامل 5 آلاف، واليتامى 16 ألفاً، مع 100 ألف مشرد ولاجئ، ولحق الخراب بأكثر من 500 قرية وبمئات المعابد والمدارس والمساكن، مع 4 ملايين جنيه إسترليني خسائر مادية، ذكرتها ذلك الوقت صحيفة Daily News التي أسسها في 1846 الأديب البريطاني تشارلز ديكنز. كما ذكرت تقارير بصحف فرنسية ذلك الوقت، أن قرى بأكملها اعتنقت الإسلام في الجنوب، وفي مدينتي صيدا وصور «هرباً من الإبادة» في أحداث فتحت باب الهجرة المسيحية من الشرق إلى «العالم الجديد» في البرازيل والأرجنتين والولايات المتحدة وغيرها.