المبتكرون فى مجال تكنولوجيا السيارات ذاتية القيادة والذكاء الصناعى يتحدثون كثيرا عن عدد الوظائف البشرية التى سيتم محوها من الوجود، لكنهم نادرا ما يشرحون ما سيحدث لجميع أولئك البشر اللذين سيصابون بالبطالة حديثا. وكما جرت العادة، فإن مؤسس شركة تيسلا إلون ماسك يجيب على السؤال الواضح بإجابة قد تفاجئ البعض.
ماسك قال فى مداخلة تلفزيونية مع إحدى القنوات الأمريكية الأسبوع الماضى أنه يعتقد أن الحل لتوفير العمالة للبشر اللذين شردتهم الروبوتات والبرمجيات هو وضع دخل أساسى ثابت للجميع، أى أن يكون الدخل هو عبارة عن رقم محدد يحصل عليه الجميع دون النظر إلى العمل الذى يقومون به، وهو نظام متبع فى بعض الدول التى توفر فيها الحكومة أو بعض المنظمات دخلا ثابتا للمواطنين بعيدا عن الدخل الذى يحصلون عليه من وظائفهم. وقال ماسك: «هناك فرصة جيدة جدا أن ينتهى الأمر بتحديد دخل اجتماعى ثابت للجميع، أو شيء من هذا القبيل، كنتيجة لاستيلاء الروبوت على الوظائف. لست متأكدا ماذا يمكن لأحد أن يفعل، وهذا ما أعتقد أنه سيحدث».
وربما تبدو الفكرة عظيمة، وتبدو مناسبة جدا فى ظل «ميكنة» بعض الوظائف خاصة فى قطاعات مثل الوجبات السريعة والبنوك وخدمة العملاء وتوصيل وتسليم البضائع، كما أن عملية محو الوظائف البشرية تتدخل ببطء فى المزيد من القطاعات خاصة لدى هؤلاء من أصحاب الدخل المتوسط أو المنخفض من الأمريكيين. ومع ذلك، فإن رؤية ماسك لا تتماشى تماما مع الاتجاهات والاقتصاديات الحالية، وخصوصا عندما نلقى نظرة على خدمات مثل الرعاية الصحية والتعليم الجامعى، تلك الخدمات التى تقدمها الدول الغنية حول العالم لمواطنيها بجودة مرتفعة للغاية وبشكل مجانى تماما، وعلى الصعيد الآخر تدفع بالكثير إلى الديون الضخمة وأحيانا الإفلاس. مسالة الدخل الاجتماعى الثابت أيضا ستشكل تحديا للشركات العاملة فى الأسواق المفتوحة فكيف لها أن تحقق الربحية فى ظل دخل ثابت. الخبر السار، هو أن إلون ماسك يدفع بهذه القضية أخيرا إلى دائرة الضوء، فى حين لا يزال العديد من كبار المديرين التنفيذيين الآخرين يتجاهلون أزمة الوظائف البشرية التى تلوح فى الأفق وتهددها العمليات المميكنة وأجهزة الروبوت والبرمجيات، وهو أمر تشهده صناعة السيارات على وجه الخصوص بشكل مستمر ومتزايد عبر السنوات الماضية، فقد استولت الأذرع المميكنة وأجهزة الروبوت على الكثير من الوظائف التى كان يقوم بها عمال من البشر وتسببت فى إعادة توزيع الأدوار والوظائف داخل صناعة السيارات بما يمكن وصفه أنه لعبة «الكراسى الموسيقية» التى خرج البعض منها دون مقعد على الإطلاق داخل تلك الصناعة. ويعلق ماسك على طريقة الحياة فى ظل وجود دخل اجتماعى ثابت قائلا: «الناس سوف يكون لديهم الوقت لفعل أشياء أخرى، أمورا أكثر تعقيدا وأشياء أكثر إثارة، كما سيكون لديهم بالتأكيد المزيد من أوقات الفراغ». رؤية ماسك المستقبلية قد تكون مثالية بشكل زائد عن الحدود، ففى ظل عدم تحرك الحكومات نحو توفير خدمات مجانية ودخل اجتماعى ثابت ومتوازى، لن يستطيع البشر مجرد الجلوس وانتظار الروبوت ليعمل بدل منه بينما يجنى هو الثمار، فاقتصاديات الدخل الاجتماعى الثابت قد لا تتحقق بالشكل المثالى إلا إذا حصلت على الدعم الحكومى الكامل سواء فى الولايات المتحدة أو فى أى من الدول الأخرى حول العالم، ولعل بعض الدول التى لديها نظام دخل اجتماعى قائم بالفعل قد تكون لديها الفرصة الأكبر للاستفادة من مثل هذ النموذج أكثر من الولايات المتحدة. ولم يشير ماسك فى حديثه على الإطلاق إلى الجانب الآخر من العالم، حيث لا زال العنصر البشرى يحتفظ بوظائفه فى ظل عمالة وفيرة ورخيصة لا تزال قادرة على التنافس مع الميكنة الحديثة التى لجأت لها الدول الغنية. فعلى سبيل المثال، لا تزال الصين تعتمد على العنصر البشرى المتوافر بكثرة فى الإنتاج ولم تلجأ للكثير من الميكنة التى قد تهدد بقاء الوظائف البشرية بعد، لذا فإن نموذج ماسك لا يمكن تطبيقه عالميا على أية حال.