ثلاثة أعوام على بدء التدفق الكبير للاجئين إلى ألمانيا، كانت فترة كفيلة بتعلم كيفية التعامل مع الوثائق الرسمية في حياتهم، لكن بعد الوفاة، ما هي الإجراءات القانونية للدفن في ألمانيا؟ وما الذي يجب أن يفعله ذوي اللاجئ؟.
«بعد انتهاء صلاة الجمعة.. بدأ الشيخ في الجامع بشارع أوسلو بمنطقة فيدينغ في برلين بالنداء على الناس لجمع تبرعات من أجل دفن من قال إنه لاجئ يمني لا أهل له هنا ولم يتكفل به أحد»، هكذا يخبرني محمد عن الطريقة التي يسمع بها عن أخبار موت اللاجئين في ألمانيا، فمنذ أن قدم إلى هنا غابت بيانات النعي، التي كانت تخبر بوفاة شخص ما في المنطقة، حتى مشهد العزاء والجنازة اختفى، ليكتفي أهل المتوفى بتلقي بعض كلمات العزاء في الجامع.
ليست الطقوس وحدها التي اختفت أو اختلفت في ألمانيا، إذ يعاني اللاجئون المتوفون أو بالأصح ذويهم، من بيروقراطية في معاملات الوفاة، بعضهم يجريها أو يسمع بها للمرة الأولى في حياته. أمور لم يعتدها اللاجئون وتبدأ من لحظة إخبار الدولة بالوفاة، ولا تنتهي عادة بعد الدفن، إذ تستغرق معاملة الوفاة في ألمانيا فترةً زمنية تتجاوز الثلاثة أشهر في حال وجد للميت من يتكفل بمصاريف جنازته. ما هي معاملة الوفاة؟ لا يدفن الميت في ألمانيا ما لم يكن مصرحٌ لذويه بذلك، حيث ترفض المقبرة فتح القبر إذا لم تستلم أوراقاً من البلدية تثبت موافقتها على ذلك، كما تثبت أن ذوي المتوفي قد دفعوا إيجار القبر لمدة أقلها عشرين عاماً بعضها قابلٌ للتجديد وبعضها لا، وتكلف هذه الورقة حوالي ألف يورو.
يبدي حسن، الشاب السوري الثلاثيني، ارتياحه بعد توقيعه على آخر ورقة في معاملة دفن صديقه التي استغرقت أكثر من ثلاثة أشهرٍ ونصف. يقول حسن لـ DW عربية «عندما توفي صديقي لم يكن لدي فكرة أبداً عما يجب أن افعله، كنت أعتقد أن الأمر كما في سوريا، نطلب المساعدة من الأصدقاء والأقارب في حال توفرهم، فنحضر الجثة، ثم نتوجه للمقبرة لحفر القبر، وبعدها نستخرج شهادة وفاة بخمس دقائق، لكن الأمر مختلف كلياً هنا».
عند وفاة الشخص يجب أن يقوم ذووه بإبلاغ البلدية التابع لها مكان سكنه، ليأخذ تصريحا للمقبرة بعد أن يتم دفع القيمة الأولية من الرسوم التي تقدر بحوالي 1000 يورو، وفي حال كان المتوفى عاطلا عن العمل ويعيش على المساعدات الاجتماعية، تدفع الدولة ثمن القبر.
يقول حسن «عندما بدأت بمعاملة الدفن، نظراً لأن صديقي لا أقارب له هنا، توجهت إلى»Rathaus«أو البلدية التي يتبع لها المتوفى، وهم أخبروني أنهم يتعاملون مع مقبرتين يمكنني أن أدفن صديقي باحداهما نظراً لأنهما تحويان قسماً إسلامياً في منطقتي»شبانداو، وشونيفيلد«.
ويتابع «التكلفة الأولية للدفن تقدر بحوالي 1450 يورو، تتكفل الدولة بـ 1000 منها، وتُدفع للمقبرة. أما المتبقي فيؤدى كرسوم، من طرف أهل المتوفى، وعليهم دفعها حتى لو كان (المتوفى) لا يملك عملاً أو تأمين وفاة، وهنا عادة ما يقوم أقرباء وأصدقاء المتوفى بجمع المبلغ، أو من الممكن أن تقوم جهات خيرية بدفع المال».
أما إياد الخطيب الذي توفيت والدته منذ أكثر من سنة تقريباً فيقول لـ DW عربية بأن هنالك أوراق لا تزال عالقة حتى اللحظة في معاملة الوفاة، نظراً لأنه قدم إلى ألمانيا بناءً على دعوة من شقيقته التي التزمت أمام الدولة بتحمل مصاريفه مع والدته، لذا كان عليها أن تتكفل بكل التكاليف، حيث لم تعوضها الدولة بسبب ذلك، الأمر الذي جعل من المعاملة أمراً معقداً للغاية«.
«إكرام الميت دفنه» قبل إيصال الجثة إلى المقبرة، عادةً ما يقوم أهل المتوفى بعدة إجراءات، أولها تكون ورقة التصريح من البلدية، وهناك تفاصيل تتعلق بتكاليف أخرى عادة ما يتسعين ذوو المتوفى لتنفيذها بمكاتب دفن الموتى الإسلامية، التي تقوم بحفظ الجثة في البراد ريثما تجهز أوراق موافقة الدفن واستئجار القبر، كذلك تقوم هذه المكاتب بتجهيز الميت حيث تقوم بعمليات التغسيل وتحضير الجثة بالعطور والمواد الحافظة من التفسخ، ثم تكفين المتوفى أو وضعه بتابوت. تكلف عملية «تجهيز الميت» كما يسميها حسن حوالي 700 يورو تدفع لمكتب دفن الموتى، ولكن مكاتب الدفن العربية بألمانيا، تعرف الوضع بالنسبة للاجئين، وعملاً بمبدأ «إكرام الميت دفنه» فإن هذه المكاتب تتغاضى عن الحصول على اتعابها مقدماً، حتى أن بعضها يقوم بدفع الـ1000 يورو للمقبرة، «لأن المكتب يعلم أن حقه محفوظ وسيتم تعويضه من قبل الدولة حتى لو تأخر الأمر».
ويقول حسن «لقد وصلنا إلى المكتب الذي تعاملنا معه بالصدفة، فالمستشفى التي توفي فيها صديقي، عرضت علينا رقم المكتب، لأنها تتعامل معه منذ فترة، وتخبر الناس عن خدماته عندما تحدث حالة وفاة لدى مسلمين، لكن هناك أرقام كثيرة على الانترنت في كل المدن الألمانية». لم تكن ألمانيا تسمح بالدفن دون التابوت، ولقد تم التصريح بالدفن في الكفن مؤخراً في بعض الولايات الألمانية، ابو محمد من مؤسسة طه وياسين لنقل ودفن الموتى في برلين قال لـ DW إن «تكاليف الدفن التي تبلغ حوالي 1764 يورو، يتكفل بها المكتب، وقد يتم تعويضه عليها كاملة من قبل مصلحة الشؤون الإجتماعية أو»Sozialamt«بحسب حالة كل متوفي، وتشمل الخدمات التي يقدمها مكتب مصلحة الشؤون الإجتماعية:»إيجار القبر والغسل الإسلامي والتابوت«.
ويشرح أبومحمد قائلا:«هناك نوعان من القبور، ولكل قبر ثمنه، قبور قابلة للتجديد مرة واحدة بعد مرور 20 عاما ويجب على عائلة الفقيد دفع حوالي 500 يورو بعد هذه المدة لتغطية الفترة الثانية أما القبورغير القابلة للتجديد فثمنها يصل إلى 788 يورو»، ويلفت إلى أن بعض الجاليات العربية تقوم بجمع تبرعات لحالات الوفاة تسمى بــ «صناديق تأمين للتكفل بالدفن»، للضرورة. المساجد والجمعيات الخيرية تساعد أيضاً يعود أقدم قبر، لم يندثر، لمسلم في ألمانيا لعام 1689، ومنذ فترة سنت السلطات الاتحادية قانونا عاما للدفن، ملزما لجميع الولايات. بيد أن لكل ولاية قانونا خاصا بها، مما يستتبع الاختلاف في بعض التفاصيل والجزئيات من ولاية إلى أخرى. بعض الولايات ما تزال تحظر الدفن بالكفن، معللة ذلك بالحفاظ على البيئة والخوف من انتشار الأوبئة والأمراض المعدية الناتجة عن تحلل جثة المتوفى. غير أن أكثر من نصف الولايات تسمح الآن بالدفن بالكفن، وقد انضمت برلين إلى هذه القائمة مؤخرا.
في حين واجهت المسلمين مشكلة أخرى تتعلق بالمقابر الإسلامية، لذا بدأت بعض الولايات بتخصيص مقابر إسلامية خاصة أو تخصيص جزءٍ من المقابر العامة ليتم الدفن فيها على الطريقة الإسلامية، في حين تقوم بعض الجاليات بشراء أرض لدفن موتاها كما لدى بعض الأتراك في بعض المدن. لكن هل تقدم المساجد أو الجمعيات الخيرية الإسلامية مساعدة في حال لم يجد المتوفى من اللاجئين مَن يساعده لتأخر في الأوراق أو عدم وضوح حالته القانونية، سؤال DW يجيب عنه الشيخ طه صبري إمام مسجد دار السلام في برلين فيقول «أحياناً تأتي إلينا حالات لاجئين ليس لديهم أهل أو أحد يتكفل بهم فنقوم بمساعدتهم، وجمع التبرعات لإتمام عملية الدفن، لكننا نخشى أن يزداد الطلب على هذا الموضوع فالمساجد تعيش على المساعدات والتبرعات، ولو ازداد الطلب سنخسر جزء من مواردنا التي نستخدمها في مجال آخر».
ويضيف الشيخ صبري «الناس يلجؤون لنا عادة عندما تتأخر الأوراق الحكومية والمعاملات ويتوجب دفن الجثة، ولا تتوفر لدى صاحب الجنازة سيولة لاتمام مراسم الدفن فنقوم بجمع حوالي 1500 يورو وهي التكلفة التقريبية، لكن هذا الامر صعب علينا كثيراً، ونحاول المساعدة قدر المستطاع».
يفضل بعض العرب نقل جثامين موتاهم لبلدانهم الأصلية، لكن في حالات الحروب التي هرب منها معظم اللاجئين كالسوريين والعراقيين مثلاً يبدو الأمر مستحيلاً، لذا على اللاجئين اليوم إعداد أنفسهم ومن حولهم على رحلة مكوكية بين الهيئات الحكومية في حال وقعت حادثة وفاة، لتلاحق لعنة البيروقراطية اللاجئين حتى بعد انتهاء حياتهم.