«فى خريف عام 1984، كتبت إنديرا وثيقة لم تحدث أحداً عنها، عثر عليها فيما بعد بين أوراقها، قالت فيها:
لم أشعر بأننى أبعد عن الموت من تلك اللحظة، إن الهدوء والسلام النفسى هما ما دفعانى إلى كتابة تلك الرسالة التى تقرب فى طبيعتها الوصية، إن مت ميتة عنيفة، كما يخشى البعض، وكما يدبر لى البعض، فأنا أعلم أن العنف سيكون فى عنف تفكير القاتل وفعله لا موتى، فإن حبى لشعبى وأمتى لن تحجبه الكراهية مهما بلغت، لن تقوى قوة مهما بلغت على تحويلى عن هدفى ومسعاى لدفع تلك الأمة إلى الأمام، لقد كتب شاعر حب: كيف لى أن أشعر بأننى فقير ووجودك إلى جانبى يثرينى، أستطيع أن أقول المثل عن الهند، لا أفهم، كيف لأى شخص أن يكون هندياً ولا يشعر بالفخر!، كيف لا يفخر بثراء تراثنا المجمع، الذى لا تعرف تعدديته الحدود، كيف لا يزهو بعظمة نفس ذلك الشعب الذى يقف نداً للكوارث والمشاكل مهما كانت، إن إيمانه لا يتزعزع، حتى فى غمرة الفقر والمصاعب.
لم تكن تلك وصية بقدر ما كانت إقراراً بالإيمان، بالحب، لقد شعرت إنديرا باقتراب نهايتها، وتوقعت أنها ستكون على الأرجح عنيفة، إن حياتها لم تكن الحياة التى أرادت فى شبابها، أو الحياة التى اختارت، مع ذلك يبدو فى تلك الرسالة المخطوطة على عجل أنها شعرت بأن الخيار الذى فرض عليها كان الخيار الصحيح، رغم كل شىء، كان الأفضل لها الاضطلاع بمسؤولية خدمة الهند التى توارثتها عائلتها، لا السعى إلى تحقيق رغباتها الشخصية، غير أن المؤلم فى رسالة إنديرا ليس هواجس الاغتيال التى انتابتها، وإنما فشلها فى تحقيق هدفها ومسعاها لدفع تلك الأمة إلى الأمام، لقد أغرمت إنديرا كوالدها بالهند، لكنها كانت تعلم جيداً أن البلاد قد ابتلعتها الفوضى».
مقطع من كتاب «إنديرا» للكاتبة الأمريكية كاثرين فرانك، الذى صدرت ترجمته إلى العربية حديثاً عن دار نشر «كلمات عربية». الكتاب يروى بشكل قصصى على مدار 740 صفحة بالتفصيل سيرة حياة رئيسة وزراء الهند السابقة، إنديرا نهرو غاندى، ويضم تفاصيل دقيقة عن حياتها الشخصية وعلاقتها بمحيطها الأسرى، كما يناقش ممارساتها السياسية ويستعرض بعضاً من اللحظات الحرجة التى واجهتها الزعيمة الهندية وهى تدير شؤون بلادها. ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء: «إنديرا نهرو»، «إنديرا غاندى» و«رئيسة الوزراء إنديرا غاندى» وفى هذا الجزء الأخير تطرقت لواقعة اغتيالها ولأجواء الفوضى، التى سادت فى الهند بعدها.
استغرق تأليف هذا الكتاب ست سنوات وبذلت فيه «كاثرين فرانك» مجهوداً كبيراً فى الاطلاع على كم معتبر من الوثائق الخاصة بإنديرا. صدر لكاثرين من قبل ثلاث سير شهيرة أخرى عن لوسى دوف جوردون وإميلى برونتى ومارى كينجسلى.