مساحات واسعة من الأشجار والحدائق والورود، تحيط ببوابات لمنزل كبير أشبه بالقصر بواحة سيوة، عند دخولها تشعر كأنك دخلت متحفاً تفاصيله كلها أنجزت بعناية، ووجه بشوش لا يظهر عليه كبر السن من خفة روحه، يبادرك بكلمات الترحاب فيكشف النطق «المكسر» للغة العربية وبعض المفردات اليونانية عن أصله، تفضح نظرات عينيه حبه لمكان وقع فى أسره منذ سنوات فاختار أن يكون مستقراً له.
فاسيلى فيليناتوس، 70 عاما، مدير المركز الثقافى اليونانى فى الإسكندرية، منذ عام 1998 حتى عام 2008، طيلة السنوات العشر التى قضاها فاسيلى بعمله بالمركز بدرجة قنصل يونانى، شغل باله منطقة سيوة وطبيعتها الخلابة، التى تشوق لزيارتها منذ أكثر من 50 عاما، يقول: «وأنا طالب فى الجامعة فى مجال الهندسة المعمارية، زرت باريس، ورحت متحف هناك فيه مبانى من الطينة، وعجبتنى جدا، وعرفت إن النوع ده من الطين موجود فى مصر، وخصوصا واحة سيوة، وقتها قررت إنى لازم أزور سيوة».
بعد 18 عاما تحققت أمنيته، جاء إلى مصر زيارة، وكان وقتها مستشار الشؤون الخارجية لليونان، واتجه مباشرة إلى سيوة، يقول فاسيلى: «شدنى المكان والطبيعة والطاقة الإيجابية اللى موجودة هنا، وبدأ يكون لىّ أصدقاء، وقررت أخد قطعة أرض فى سيوة».
تمر الأعوام ويستقر فاسيلى فى مصر وخصوصا الإسكندرية، كمدير مركز الثقافة اليونانى، ينقل الثقافة اليونانية للمصريين، محاولاً إتقان اللغة العربية رغم صعوبتها عليه، ويقتنص أى وقت فراغ ليذهب لمحبوبته سيوة، يقضى فيها إجازته، ويقول: «اشتريت 2 فدان وكانت المنطقة صحرا هنا، وكنت أول يونانى يسكن سيوة، وبدأت بناء البيت بتصاميمى الشخصية ».
بين الإسكندرية وسيوة واليونان، قضى «فاسيلى» فترة عمله، إلى أن تقاعد عن العمل، ورفض أى وظيفة أخرى «قررت أسيب كل الشغل وأستقر فى سيوة».
حاول خلال فترة استقراره فى سيوة والتى بدأت منذ 2008، ساهم فى تطوير المنطقة ووضع بصمته هناك. يقول: «فتحت حضانة لتعليم الأطفال السيوية اللغة المصرية حتى يسهل التحدث بها».
وجود فاسيلى فى سيوة كان فتحة انطلاق لكثير من اليونانيين للاستقرار هناك، وبناء بيوتهم الخاصة والعمل فى مجالات كثيرة هناك، ويقول: «بقى حواليا تقريبا 7 يونانين عايشين ومستقرين فى سيوة».
الحياة البسيطة والأشخاص الودودة هما السببان اللذان جعلا فاسيلى يترك ابنه فى اليونان وينتظر أن يأتى إليه زيارة أو يذهب هو إليه مرة فى العام، ويقول: «كفاية علىّ إنى أعيش مع الطبيعة وأسقى زرع الجنينة، وأقعد مع الحمار بتاعي».