يُدير أحمد السباعى صيدلية بوسط المدينة منذ 7 سنوات، ويُشير إلى نمط مُستحدث تتبعه شركات الأدوية لمنح الصيدليات طلبياتها من الأصناف الدوائية المستوردة على وجه الدقة، متمثلاً فى تخصيص حصة بعينها غير قابلة للزيادة لكل صيدلية بصرف النظر عن استهلاكها الفعلى أو حجم جمهورها، تُرجع الشركات النمط الجديد بحسب «السباعى» لتوقف عملية الاستيراد رجوعًا لاضطراب سعر العملة: «كمان بقينا نسمع شائعات إن الشركات بترجع المخزون المستورد اللى عندها بدل ما تبيعه بالتسعيرة الحالية وتخسر».
من وجهة نظره، تُعتبر الصيدلية خيار المواطن المصرى الأول للتداوى قبل اللجوء للطبيب، وتحمل «فيزيتا» باهظة، ما يجعل المواطن المُتضرر الأكبر من اضطراب سوق الدواء بالنقص والحاجة من جهة والشائعات وعدم الاستقرار من جهة أخرى، يستبعد «السباعى» على ذلك اللجوء إلى تحرير سعر الأدوية والتخلى عن نظام التسعيرة لتخطى أزمة النواقص، فلثقة المواطن فى طاقم الصيدلية ورغبته فى تداوٍ غير مُكلف، يلجأ لاستشارة الصيدلى للحصول على العقار المُلائم لتجنب الألم، يُشير مدير الصيدلية الخمسين لرفوف مُستحضرات التجميل التى تُزحم صيدليته: «لو كان شامبو أو حاجة بسيطة كنا قلنا يخضع للسوق والمُنافسة، لكن دا دواء يومى، ما فيش بديل عنه، المريض هيعمل إيه؟». يتعقد الموقف حين تُعرق يُعانى الأفراد من نقص أدوية الأمراض المزمنة بأمراض القلب وضغط الدم والسكر، فيقول: «عندى نوع أنسولين شركته رافضة تنزلى أكتر من 5 علب، دول نديهم لمين ولا لمين؟».
يُعدد «ياسر» أحد العاملين فى صيدلية بمنطقة المنيرة بعض الأصناف المستوردة التى تشهد السوق نقصها بالفعل فى الفترة القصيرة الماضية: «عندنا كوجينتول ناقص، وألبومين وأنديرال حقن، وطبعًا كيتوستريل دا دواء للكلى، سعر العبوة منه 240 جنيها وصل النهارده سعرها في السوق السوداء لـ800 جنيه»، يصف الأمر على طريقته الخاصة: «الشركات دلوقتى بتحاول تضغط على الحكومة علشان رفع الأسعار، والمواطن هو اللى مظلوم فى كل الأحوال»، يُدلل «ياسر» على يقينه بحلول موجة من ارتفاعات أسعار الأدوية في القريب العاجل بارتفاع أسعار الوقود الذى جاء في أعقاب تحرير سعر الصرف مُباشرة فيقول: «وزير الصحة بيقول مش هيرفعوا أسعار البنزين ورفعوه».
بعد رفع الأسعار المرتقب، يتوقع «ياسر» أن ينتهج المرضى نمطا من ترشيد استهلاك الدواء الضرورى، لن تسلم منه العقاقير الخاصة بالأمراض المُزمنة، كأمراض القلب والسكر وضغط الدم والأمراض النفسية، عن طريق لجوء المرضى لتخفيض جرعات تناولهم للعقاقير، ومن ثم شرائها بكميات أقل، شريط بدلاً من عبوة كاملة، ما سوف ينعكس بدوره على حجم مبيعات الصيدليات.
يُشرف الطبيب الصيدلى «سامر محمود» على محل عمل «ياسر» وبدأ بالفعل في الآونة الأخيرة لمس تأثر عائدات الصيدلية اليومية بالأزمة الراهنة، يحصد على وجه الدقة نصف الإيراد اليومى المُعتاد من البيعات، على حد وصفه، إلا أن ما يُثير قلقه هو التزاماته المادية: «الرفوف عندى بالفعل ابتدت تفضى، وما فيش بيع، لأن ما فيش دواء، وأنا عندى رواتب وفواتير لازم تتسدد فى مواعيدها».
يترقب «محمود» الموعد المُعتاد لتقديم الطلبيات بالأدوية التي تفتقدها الصيدلية للشركات المُختلفة، وهو الموعد الذى يُحدده بمنتصف الشهر تقريبًا، إلا أنه يتوقع أن يحظى بنصف ما يطلب من أصناف لا غير في ظل إحجام الشركات عن توريد الأدوية : «أنا كمان عندى طلبيات عاوزة تتسلم وشيكات لازم تتوفى، الوضع سيئ».
يعمل «على» فى إدارة فرع تابع لإحدى سلاسل الصيدليات متواضعة الشهرة، وقد اعتاد أن يتلقى 20 مُكالمة يومية لا أقل من شركات الأدوية، إلا أن هاتفه يظل ساكنًا في الآونة الأخيرة: «أنا ما عرفش الشركات اتسحب مخزونها فعلا وخلصت ولا عندها ومش عاوزة تبيع»، يتشكك «على» فى أن النقص الحاد بالتوريدات يرجع لرغبة بعض الشركات فى حجز مخزونها من الأصناف الدوائية لحين رفع الأسعار ومن ثم تحقيق الربح المادى الأعلى، إلا أنه بعيدًا عن التكهنات وأسباب النقص الحقيقية النتيجة واحدة، يتعين على «عليّ» تسير أعمال الصيدلية بعبوة واحدة من بعض الأصناف فى حين كان يستهلك فى الأحوال العادية 20 عبوة لكل صنف: «بيزيد على كل دا، أن المريض بييجى يقولى أنا زبونك لازم توفر لى الدواء».
يُشير «على» أن سلوكيات بعض المرضى ممن يعمدون إلى تخزين الكم الأكبر من الأصناف الدوائية التي يستخدمونها بصفة شهرية يُزيد الأمر تعقيدًا، ويزيد من حدة نقص الأدوية ويحرم بعض المرضى فرصة الحصول على العلاج اليومى جراء تخزين آخرين كميات تكفى استهلاكهم لأشهر عدة، ما يدفعه لنصح المرضى بالشراء لمراعاة الأزمة وشراء الأصناف وفقًا للحاجة فقط، من وجهة نظره لا بديل عن توفير الشركات للمُستحضرات والأصناف الناقصة، حيث يُعتبر احتمال زيادة الأسعار أمر في غاية الصعوبة : «إحنا لسه بنعانى من زيادة الأسعار الأخيرة ومش حِمل زيادة جديدة».
من وجهة نظره يرى د. محمد العبد رئيس لجنة الصيدليات بنقابة الصيادلة، لا يزال القطاع لم يشهد أزمة حقيقية بعد، بل تأثر حتميا الوضع الاقتصادى، مما أدى لتنامى قلق المرضى من اختفاء متوقع لبعض من الأصناف الدوائية، ما أدى إلى جنوحهم إلى تخزين كميات تزيد على الحاجة للاستهلاك، من جهة أخرى، حسب تعبيره، نظمت إدارات شركات التوزيع التي تواصلت معها نقابة الصيادلة نظاما لتوزيع مخزونها من الأصناف الدوائية لأكبر عدد من الصيدليات عبر تخفيض حصة كل صيدلية لمنع احتكار الأصناف الدوائية فى ضوء تحريك مُحتمل للأسعار.
«فى عدم ثقة فى السوق» يقول «العبد» قبل أن يؤكد أن اضطراب سوق الدواء يتبع سلسلة اضطرابات فى كافة الأسواق ما بين السلع الغذائية الأساسية وغيرها، بيد أنه لن يُسمح بتعريض الصيادلة لتلاعب الشركات أو امتناعها العمدى عن توفير المُستحضرات الدوائية.
على ذلك يرى «العبد» ضرورة التوجه لبعض الإجراءات الحاسمة لدعم الصيادلة والمرضى، على حد سواء، لمواجهة الأزمة المُحتملة، تبدأ بدعم الصيادلة من تأثر حجم رأسمالهم بالانخفاض المفاجئ في قيمة العملة، وذلك بتنظيم إجراءات التعامل من الأصناف مُنتهية الصلاحية وفقًا لقرار وزارى بدلاً من تحمل الصيادلة الخسارة كاملة، وكذلك مُعاملة الصيادلة كمهنة وليست تجارة، فيما يتعلق بتقديم الخدمات كالتيار الكهربى وغيره، مُراعاة لزيادة نفقات العمالة والخدمات فى الفترة الماضية، فى سياق آخر لدعم المرضى فى مواجهة أزمة النواقص يوصى «العبد» بضرورة تعاون الأطباء بشكل عام فى دعم البدائل المحلية للأصناف الدوائية وترشيحها للمرضى، بكتابة أكثر من بديل للصنف الدوائى الواحد ما يقى المريض التأثر بأزمة النواقص، أو الاتجاه لفرض وصف المادة الفعالة أو الاسم العملى للدواء بدلاً من اسمه التجارى، مؤكدَا أن الأصناف المحلية تخضع لمعايير الجودة العالمية ذاتها.