اعتدنا أن يزور الأجانب القاهرة لمدة قصيرة وبعدها يذهبون إلى شرم الشيخ أو أسوان، أو غيرها من الأماكن السياحية، فالقاهرة بزحامها وزيادة عدد سكانها ونسب التلوث بها.. مجرد محطة «ترانزيت»، ولكن من بين كل هؤلاء يختار البعض المكوث لفترة فى القاهرة، وأحيانا الإقامة بها لمدة غير محددة.. وبينهم «جوليا» و«ليندا».
«ليندا كليرى» صاحبة جنسية إنجليزية، شاعرة وكاتبة ومدونة. زارت القاهرة حوالى 4 مرات، أول مرة كانت منذ سنوات عندما كانت تربطها علاقة حب بشاب مصرى. وفى ديسمبر 2009 قررت أن تعيش فى مصر. تقول «ليندا» أنها زارت بلاداً كثيرة، لكن اختارت مصر. «كان عاجبنى اللى بيحصل فى مصر على المستوى الثقافى. فيه تحديات للعادات والتقاليد فى المجتمع». وتحكى «ليندا» أنها كتبت شعراً نثرياً بعد أول زيارة للقاهرة عندما طافت بشوارعها. «بحب فى القاهرة الاختلافات والتضادات.. بتنرفزنى وتبهرنى فى نفس الوقت». تعيش «ليندا» وحدها فى شقة إيجار جديد فى الدقى، وأحيانا تستضيف فنانين أجانب آخرين أثناء مكوثهم فى القاهرة. تعطى «ليندا» كورسات كتابة مختلفة فى منزلها وأحيانا بمراكز ثقافية. تقف «ليندا» بجانب شرفة منزلها التى تطل على أحد الشوارع الرئيسية فى الجيزة، وتحكى عن نظرة الناس لها كفتاة أجنبية فى شقة. «فيه ناس كتير أجانب ومصريين على طول بيزورونى، وأنا عارفة إن ده غير مقبول فى مصر، لكن أنا مش باهتم بآراء الناس».
وتقول «ليندا» إن أثناء بحثها عن شقق خالية اشترط بعض أصحاب الشقق وبوابين العمارات ألا يزورها مصريون أو رجال، «فيه واحدة صاحبتى عايشة فى الزمالك وما تقدرش تعزم حد عندها بسبب البواب، لكن أنا ما أقبلش أعيش على مزاج حد وعلشان كده رفضت، لحد ما لقيت الشقة اللى أنا قاعدة فيها دلوقتى». وتحكى «ليندا» عندما اقتحم شخص لا تعرفه شقتها أثناء شهر رمضان الماضى فجرا. «كنت مع زميلة ليا سهرانين وفجأة لقيتها طالعة تجرى من جوا وتقول لى فيه حد دخل، جرينا على الباب لحد ما طلع تانى. اكتشفنا بعدها إنه دخل من باب المطبخ». تعجبت «ليندا» عندما وجدت أن المقتحم لم يقم بسرقة أى شىء، وتعجبت أكثر عندما روت الواقعة لصاحب الشقة والبواب فقاما باتهامها لإهمالها فى غلق باب المطبخ جيدا. وتقول أى شخص آخر بالعمارة قال لها «تلاقيه كان عايز يبص بس». ومع ذلك تقول «ليندا» أن مصر من أكثر البلاد الآمنة، «لأ هنا بابقى مطمئنة، المشكلة كلها هى فى ثقافة الفرجة وحق التطفل على الغير». تقول «ليندا» إنها تعلمت عدم الوقوف وحدها طويلا فى الشارع، والمشى بثقة حتى لا تتعرض لأى مضايقات. كما أيضا تقول أنها تنتبه لكل ما ترتديه فى الشارع «لو الناس فى الشارع حسوا إن الشخص بيتصرف بطريقة تخالف التقاليد على طول يعتبروه ملكية عامة». تضحك «ليندا» وهى تعلق على ملابس البنات المصريات وخاصة المحجبات، «الهدوم فعلا ضيقة بزيادة أوى، لدرجة خلتنى أتبنى وجهة النظر الذكورية، وأعلق زيهم». وتضيف «ليندا» أنه بالرغم من أنها تربت فى الخارج واعتادت أن ترتدى الملابس بحرية، فإنها تراعى اختلاف الظروف فى مصر وتنتقى المناسب. تضيف «ليندا» قائلة «أحترام أى ست فى الشارع بغض النظر عن اللى هى لابساه هياخد وقت هنا». تعود «ليندا» مرة أخرى للحديث عن الكتاب فى مصر، فتقول أن كل الكتاب الذين قابلتهم يتحدثون بكل حرية عن كل الموضوعات ولا يخافون من الجدل. أما عن التابوهات فتقول «الحرية والجرأة فى الكتابة عن الموضوعات السياسية بييحى معاها جرأة فى الكتابة عن مواضيع متعلقة بالدين والجنس». تفتح «ليندا» الباب لاستقبال بعض المشتروات، وتقول «مش بيتضحك عليا أوى فى الأسعار لأنى بابقى عارفة سعر كل حاجة». على عكس أغلب الأجانب، لا تحب «ليندا» شرم الشيخ والغردقة وغيرهما من المناطق التى تراها «ليندا» صناعية، وتفضل الذهاب لسيناء وسيوة والصحراء. تحب «ليندا» منطقة وسط البلد وخاصة قهوة الحرية وشارع شمبليون. وبالرغم من أنها لا تتحدث اللغة العربية بطلاقة، فإنها تعرف عن طريق فهمها لبعض الكلمات وحديثها مع أصدقائها المصريين، أن أغلب المصريين يشعرون باليأس من الحياة السياسية فى مصر. الزحام والتلوث لا يضايقونها، ولكن زحام شهر رمضان- كما تقول- لا يطاق. وتعلق «ليندا» مرة أخرى على شهر رمضان، فتقول إنها تتعرض للمعاكسات هى وغيرها من أصدقائها البنات، أكثر من أى وقت آخر. وتقول أيضا إنها مكثت بالمنزل طوال أيام العيد خوفا من التحرشات التى سمعت عنها. من أكثر ما يزعجها هو أن عليها دائما النظر بوجه عابس أثناء مشيها فى الشارع «لازم أبقى مكشرة فى وش أى حد فى الشارع، ولو ابتسمت يفتكر إن أنا كده موافقة إننا نتجوز. بره طبيعى إن الناس تبتسم لبعضها وتحيى بعضها كمان فى الشارع». ومع ذلك تعجب «ليندا» بالدفئ فى علاقات الناس ببعضها، بخلاف العلاقات بالخارج. لدى «ليندا» الكثير من الملاحظات ومن ضمنها نظرة الرجال فى مصر للفتاة الأجنبية «الرجاله هنا شايفين إن الأجنبية دى للمصاحبة لكن مش للجواز. لأنى متحررة فبيفتكروا إنى أكيد ما عنديش حدود». وتستعجب «ليندا» أيضا من ما تصفه بـ«الهوس بالطبقات الاجتماعية». تقول «ليندا» أنها عملت ببلدها كمنظفة منازل ولم تلحظ فرق معاملة، لكن هنا إذا عاملت السيدة التى تقوم بتنظيف منزلها كما تعامل صديقتها، تكون قد أعطت لها فرصة أن تستغلها ولا تقوم بتأدية عملها، «هنا لازم كل واحد يتعامل مع التانى بناء على الطبقة اللى بينتمى لها».
«جوليا سيماروستى»، فتاة إيطالية فى أواخر العشرينيات. سافرت إلى مصر أكثر من مرة، أولها كان مع والدتها ولم تكن تتصور أن تعجب بالبلد. تسكن «جوليا» بشقة فى وسط البلد مع فتاتين من ألمانيا، وتعمل مدرسة ومصورة فوتغرافية. عملت «جوليا» لفترة فى فنادق سياحية بإيطاليا، وبعدها فى مجال التسويق فى شركة بنيويورك، ثم قررت أن تأتى وتقيم فى القاهرة لمدة غير محددة. زارت «جوليا» الإسكندرية وسيناء، والصحراء البيضاء، وشرم الشيخ، والغردقة، والعين السخنة، ودهب، والأقصر، وأسوان، ولديها ألبوم صور لكل مكان زارته تحتفظ وتعتز به. تحكى «جوليا» كيف استعجب أهلها وأصدقاؤها فى إيطاليا عندما أخبرتهم عن قرارها بالعيش فى القاهرة، فالكثير منهم- كما تقول- يجهلون أبسط المعلومات عن مصر. «للأسف نسب الهجرة غير الشرعية من دول شمال أفريقيا لإيطاليا عالية جدا، وأغلب المهاجرين غير الشرعيين بيبقوا مجرمين وتجار مخدرات، فده الانطباع اللى عند كتير مننا فى إيطاليا عن العرب». وتضيف «جوليا» أن الإعلام الغربى ينقل صورة سيئة جدا عن العرب، وهى أن أغلبهم مجرد إرهابيين. وتضحك «جوليا» وهى تروى كيف كان يعتقد بعض أصدقائها أن مصر لا يوجد بها شوارع، فهى- كما تقول- بالنسبة لهم جمال وأهرامات فقط. اعتادت «جوليا» الزحام فأصبح لا يضايقها «الزحمة تضايق لو أنا هاتأخر، لكن فى مصر كل الناس بتتأخر فمفيش مشكلة». اختارت «جوليا» العيش فى القاهرة لأنها على عكس بلدها، لا يهتم سكانها بالموضة هذا الاهتمام المبالغ فيه مثل سكان إيطاليا، «الناس مش مهتمة أوى بالمناظر زى إيطاليا. والعلاقات حقيقية وفيها دفا أكتر». تحكى «جوليا» عن إيطاليا فتقول إنه حتى لو كانت ذاهبة للسوبر ماركت عليها أن ترتدى ملابس «على الموضة» وتعتنى بمظهرها، «أنا لو معايا 1000 يورو هسافر بيهم مش هاشترى بيهم شنطة». تتعرض «جوليا» لكثير من المعاكسات والمضايقات أثناء مشيها فى الشارع، لكنها لا تهتم نظرا لأنها لا تعنى ما يقال لها. لا تشعرها تلك المعاكسات بأى خطر، «نيويورك أخطر من هنا بكتير يجوز الفرق ده هو اللى محسسنى إن هنا كويس». تحب «جوليا» الأكل المصرى لكنه أحيانا يزعج معدتها، «الأكل فى إيطاليا مختلف عن هنا وأنا مش متعودة». تمسك «جوليا» بكاميرتها وتشير لمجموعة من الصور فى بيت الهراوى والمقطم وحديقة الأزهر «دى أكتر أماكن بحبها فى مصر».