«وجاء فى المركز السابع اللواء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية السابق، بنسبة 3% بعدد 6 آلاف و963 صوتاً».. كان هذا مضمون الخبر الذى تداولته الصحف ووسائل الإعلام عن ترتيب نائب رئيس الجمهورية السابق، فى استفتاء المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية، الذى تجريه صفحة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على موقع «فيس بوك».. الآن وبعد مرور حوالى شهر على الخبر الصحفى، قفز اللواء - البعيد أصلاً عن الحياة العامة - إلى المركز الأول، وارتفع عدد الأصوات التى حصل عليها إلى ما يزيد على 69 ألفاً حتى أمس الثلاثاء.
الـ69 ألف صوت لا تعبر بالضرورة عن شعبية متزايدة، ولكن وراءها قصة تكشفها «المصرى اليوم» فى التحقيق التالى، فالنتيجة لم تكن انعكاساً لمجموعة تعمل باجتهاد، بل توجهاً مدفوعاً بالمال ليقفز رجل مبارك إلى الصدارة.
تبدأ الحكاية من مقهى أمريكى الديكور، فى أحد شوارع مدينة نصر، قريب من النادى الأهلى يتخذ اسمه «STOP». هناك وفى أحد أركان المقهى، تجلس مجموعة من الشباب أعمارهم تتراوح بين 15 و18 سنة على أجهزة كمبيوتر، متصلة بشبكة الإنترنت، كل مهمتهم الدخول إلى مواقع إنترنت تتيح خلق عنوان بريدى مؤقت مثل: «www.Mail2web.com»، «http://10minutemail.com»، «http://10minutemail.net/en، ومن خلاله ينشئون حساباً على موقع «فيس بوك»، وسريعاً يدخلون إلى صفحة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، يصّوتون لصالح اللواء عمر سليمان، ويخرجون من حساباتهم، وفى نهاية اليوم يحصل كل منهم على المقابل المادى المحدد وهو «جنيه واحد على كل صوت حصل عليه عمر سليمان».
بدأت القصة بصعود غير منطقى لأصوات عمر سليمان فى الاستفتاء، حاولت «المصرى اليوم» تقصّيه من خلال العنوان الإنترنتى (IP)، وتوصلت إلى مكان يصوّت منه عدد كبير من الحسابات فى مدينة نصر، تحديداً فى مقهى قريب من النادى الأهلى، وأن جزءاً من المقهى يتم حجزه يومياً لصالح شخص اسمه «رأفت»، ويعمل معه عدد يتراوح بين 10 و15 شاباً فى ورديات طوال اليوم، وبعد رحلة بحث، استطاعت الجريدة دخول «الكافيه» من خلال أحد محرريها، والعمل مع «رأفت» لمدة يومين، وتصوير لقطات فيديو بكاميرا مخبأة.
البداية كانت الساعة 4 ظهراً يوم 13 أغسطس، وكان أحد الشباب العاملين مع «رأفت» ويدعى كريم، يوجّهنا بالموبايل إلى عنوان «الكافيه»، وبمجرد دخوله كان مظلما، هادئا، الجزء الأمامى كبير، به طاولات متناثرة وشاشات عرض، خلفها طاولة عريضة إلى اليسار تقدم عليها المشروبات، يقابلها على اليمين ممر داخلى، تتفرع منه غرفتان مخصصتان للعب «البلاى ستيشن»، وينتهى بغرفة زرقاء، مكيّفة، فيها مجموعة من الشباب وفتاة كل منهم يعمل على جهاز «لاب توب»، وينشئون حسابات على «فيس بوك» ويدخنون السجائر.
وبعد فترة، تحدث معنا «رأفت»، وهو شاب فى العقد الثالث من عمره، تغطى ذراعيه «وشوم» مختلفة الأشكال لحروف صينية، يرتدى «تى شيرت» أسود مطبوعة عليه رسومات ملونة، اقترب وجلس على المقعد الوثير بجانبنا، وقال: العمل هنا بسيط وسهل لكن يعتمد على التركيز، وبدأ بشرح طريقة العمل، وقال: نحن هنا نقوم بعمل حسابات على موقع التواصل الاجتماعى«فيس بوك»، ثم نجمعها ونعطيها لزملاء آخرين يقومون بالدخول على الصفحة الرسمية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة والتصويت باستخدام الإيميلات للواء عمر سليمان فى الاستفتاء الذى يجريه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو استطلاع رأى حول المرشحين لرئاسة الجمهورية، حتى تتعدى معدلات التصويت، معدلات محمد البرادعى.
سريعاً بدأ العمل كما هو مطلوب، وبدأ محرر «المصرى اليوم» فى إنشاء حسابات لعناوين إلكترونية من خلال موقع http://10minutemail.net/en/، طبقاً للتعليمات التى أدلى لنا بها «عفيفى»، أحد الشباب المتواجدين فى الكافيه.
فى البداية وبابتسامة صفراء اقترب «عفيفى» وجلس إلى جانبنا، وقذف من بين أسنانه الصفراء بـ«إفيه» عن وشوم «رأفت» قبل أن يبدأ فى شرح طريقة العمل: «نحن ندخل إلى أحد المواقع التى تسمى مواقع «إيميل العشر دقائق» ومنها موقع http://10minutemail.net/en/، الذى يمنحك الفرصة للحصول على عنوان بريد إلكترونى لمدة 10 دقائق فقط وبعدها ينتهى الإيميل فيجب علينا استغلال هذه المدة لعمل حساب على موقع «فيس بوك» ونضع لجميع الإيميلات كلمة سر واحدة هى «123456» للتيسير على زملائنا الذى يستخدمون هذه الإيميلات، للتصويت لصالح عمر سليمان.
ويشدد «عفيفى» علينا بقوله: «عند عمل الحساب يجب اختيار سنة الميلاد من السبعينيات والثمانينيات فقط، ثم نقوم بمسح الـ«cookies» حتى نستطيع إنشاء حسابات أخرى ثم نقوم بحفظ هذه الحسابات». ويشرح «عفيفى» لزميله الجديد فى العمل: «فى الأول كنا نشترى عشرات خطوط التليفون المحمول، قبل أن نكتشف سهولة مسح الـcookies، حتى يتأكد موقع الـ«فيس بوك» من خلالها أننا لا نستخدم الموقع فى الدعاية.
بدأنا العمل وكان «رأفت» يتابع من حين إلى آخر، وعندما دقت الساعة السادسة غادرنا المكان ولكن «رأفت» علق: «عملت 25 إيميل فقط وهذا عدد قليل جداً، قريباً - موجهاً كلامه للمحرر - ستتعود على الطريقة وستكون أسرع من هذا»، مضيفاً: «مثلا أنت سلمت 25 إيميلاً (عنواناً إلكترونياً) سأعطيها لزملائنا الذين يقومون بالتصويت للواء عمر سليمان، وإذا كانت الإيميلات صحيحة أعطيك على كل 200 إيميل 100 جنيه»، واختتم كلامه بمطالبتنا بجمع أكبر عدد ممكن من الأصدقاء لمساعدتنا فى العمل «كلها يومين ونخلّص شغل».
فى اليوم التالى اتصل «رأفت» وتساءل عن مكان تواجدى، وطالبنى بالعمل من المنزل لإنجاز أكبر قدر ممكن من العناوين الإلكترونية، وفى تمام الساعة 9 مساء ذهبنا إلى الكافيه للمرة الثانية، الكافيه كان مضاء ووجدنا «رأفت» يجلس فى أول طاولة برفقة 3 أشخاص، التفت للمحرر وقال بصوت هامس: «ادخل وابدأ شغل، وأنا 10 دقايق وآجيلك».
لم يكن هناك أحد من الشباب، بدأنا فى إنشاء عناوين إلكترونية، وبعد فترة طلب منى أحد الشباب العاملين فى الكافيه الحديث مع رأفت بالخارج. وبعد لحظات وقفت أمام رأفت الذى قال إن العناوين الإلكترونية التى حصل عليها بالأمس غير صحيحة، ولا تعمل. جربنا عدداً منها اختاره عشوائيا، وعندما وجدها تعمل، تحدث مع سيدة وقال: «الإيميلات بعتهالك إمبارح شغالة ولّا لأ.. اشتغلت يعنى؟!.. أوكى». وقطع مكالمته وتساءل: «عملت كام إيميل لحد دلوقتى»، فأجبت: «10 وسأكملها 50 حساباً اليوم». فعاد إلى مكالمته وقال للسيدة: «سأرسل لك 50 حساباً جديداً اليوم». ثم التفت وقال: «شد حيلك فى الشغل لأننا سنتوقف بعد يومين»، فسألته لماذا؟ فقال: «سنأخذ إجازة ثم سنعاود العمل مرة أخرى.. خليك على اتصال وبعد انتهاء المصلحة.. هنبتدى شغل تانى هاقولك على طول».
بعد فترة بدأ عدد من الشباب الذين كانوا يعملون منذ التاسعة صباحاً حتى السادسة فى التوافد على المكان، منهم شاب يدعى كريم، وحوالى الساعة الحادية عشرة دخل «رأفت» ومعه سيدة أربعينية، بدا واضحاً اهتمام «رأفت» بها تحدثت معه بالإنجليزية حول عدم وجود أى أخبار بشأن عملهم، وسألته إذا كان فى حاجة إلى أموال، قبل أن ينهيا حديثهما وتلتفت إلينا وتداعب «كريم» قائلة: «شكلك لو اتمسكت هتقول كل حاجة من أول قلم» فرد عليها: «لا لا ما تخافيش، لو حد سأل هاقول إنى باعمل حساب خاص لى ع الـ(فيس بوك) ولأصدقائى». فابتسمت السيدة وقالت «كمل شغل وبلاش كلام كتير» قبل أن تحذر «إوعوا حد يقول لأى شخص على عملكم هنا». وفى نهاية اليوم أنشأنا 50 عنواناً إلكترونياً، قام رأفت باختيار أحدها عشوائياً وقام بتجربتها، ولما تأكد من سلامتها أكد أنى سأحصل على المقابل غداً.
وتنشر «المصرى اليوم» قوائم بعدد من العناوين الإلكترونية التى صوتت لصالح اللواء عمر سليمان - معظمها تابع للمواقع التى تنشئ عنوانا إلكترونيا مؤقتا - وعدد آخر من العناوين، تابع لشركة تسمى «كايرا» مثل: 37505@caira.uk.comوأرقام متتالية لنفس الرقم، كلها أنشأت حسابات بأسماء وهمية على موقع «فيس بوك»، بكلمة سر «123456».
ولا يتوقف الأمر على كافيه مدينة نصر بل يمتد إلى شقة فى المهندسين تستكمل مهام ميليشيات «الكافيه» الإلكترونية، وبدأت عملها منذ شهر فى نفس المهمة عن طريق عدد من الفتيات، وتمولها سيدة أربعينية، يقال إنها تملك شركة خاصة لبيع الأجهزة الإلكترونية، وعلى صلة وثيقة بمدير المخابرات العامة السابق.
عمر سليمان يقفز فى الاستطلاع من المركز السابع إلى «الأول» فى 45 يوماً فقط
المتتبع لسير استطلاع المجلس الأعلى للقوات المسلحة حول مرشحى رئاسة الجمهورية، سواء من أعلنوا ترشحهم رسمياً أو المرشحون المحتملون، يتوقف قليلاً أمام حالات صعود واضحة لبعض المرشحين، وبشكل خاص عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية السابق، الذى وصل من المركز السابع إلى الأول فى 45 يوماً فقط، ومن نسبة 3% إلى 21%، أى 7 أضعاف نسبة التصويت منذ بدء الاستطلاع إلى الآن، ليتقلص الفارق بينه وبين الدكتور محمد البرادعى، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويصبح «سليمان» المتصدر للاستطلاع بفارق 32 صوتاً لصالحه.
فى 19 يونيو الماضى، أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، على صفحته الرسمية، على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، عن طرح استطلاع رأى بشأن مرشحى رئاسة الجمهورية المحتملين، وجاء فى رسالته حول الاستطلاع: «استطلاع رأى بشأن المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية فى الانتخابات المقبلة، وهم من الشخصيات العامة التى أعلنت ترشحها، أو من الشخصيات التى تم ترشيحها من قبل الشعب المصرى والإعلام، علماً بأنه سيتم حذف أى شخصية تقرر عدم خوض انتخابات الرئاسة، أو إضافة شخصية تقرر الترشح للمنصب فى أى وقت».
ورصدت الرسالة بعض الملاحظات منها أنه تم ترتيب القائمة وفقاً للحروف الأبجدية، وأن الاستطلاع لا علاقة له من قريب أو بعيد بانتخابات الرئاسة المقبلة، مشيرة إلى أن الاختيار سيكون بواسطة صناديق الانتخابات لمن يريده الشعب، وأن المدة الزمنية للاستطلاع من 19 يونيو إلى 19 يوليو «بصفة مبدئية»، ثم تتم إعادة الاستطلاع مرة أخرى، وفقاً لما جاء فى رسالة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك».
ثم عاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليذكر فى رسالته رقم 63، على صفحته على موقع «فيس بوك»، أنه طرح التصويت على صفحته على الموقع مباشرة، وأكدت إدارة الصفحة أنه لم يتم اختراقها، وإنما تعرضت لأعطال فنية نتيجة إقبال أعضاء الصفحة الشديد على التصويت فى وقت واحد. وأشارت إلى استمرار التصويت فى الفترة من 19 يونيو إلى 19 يوليو الماضيين، مع إمكانية إجراء بعض التعديلات على الاستطلاع مثل الحذف أو الإضافة للمرشحين.
وضمت قائمة المرشحين 15 مرشحاً منهم: أحمد شفيق، رئيس الوزراء السابق، وأيمن نور، مؤسس حزب الغد، والإعلامية بثينة كامل، وحمدين صباحى، مؤسس حزب الكرامة، وعبدالله الأشعل، مساعد وزير الخارجية الأسبق، وعبدالمنعم أبوالفتوح، أمين عام اتحاد الأطباء العرب، العضو السابق بمكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، وعمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية السابق، وعمرو موسى، أمين عام جامعة الدول العربية السابق، وكمال الجنزورى، رئيس الوزراء الأسبق، ومجدى أحمد حسين، رئيس حزب العمل «المجمد»، ومجدى حتاتة، رئيس أركان القوات المسلحة السابق، ومحمد البرادعى، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والمفكر الإسلامى محمد سليم العوا.
بمرور 12 يوماً على التصويت، وفى مطلع شهر يوليو الماضى، حسب النتائج الأولية للاستطلاع، احتل الدكتور محمد البرادعى، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، المركز الأول فى التصويت بـ65 ألفاً و49 صوتاً، بنسبة 30%، فيما جاء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية السابق، فى المركز السابع فى التصويت بـ6 آلاف و963 صوتاً، بنسبة 3% فقط، أى أن نسبة التصويت لصالح البرادعى بلغت 10 أضعاف نسبة التصويت لسليمان.
على الرغم من أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة ذكر فى صفحته الرسمية على موقع «فيس بوك» أن الاستطلاع سيتوقف، يوم 19 يوليو الماضى، مع إمكانية إعادته مرة أخرى، إلا أن عملية التصويت استمرت، وظل الدكتور محمد البرادعى متقدماً على باقى المرشحين فى الاستطلاع بنسبة 21%، ومع بداية شهر أغسطس الجارى اتخذ التصويت شكلاً آخر، بدأت فيه المساحة بين البرادعى وسليمان تتقلص شيئاً فشيئاً، إلى أن احتل عمر سليمان المركز الثانى فى الاستطلاع.
وتشير نتائج الاستطلاع حتى يوم الأحد الماضى، الموافق 14 أغسطس الجارى، إلى أن «البرادعى» يحتل المركز الأول بـ69 ألفاً و635 صوتاً بنسبة 21%، فيما يحتل عمر سليمان المركز الثانى بـ68 ألفاً و193 صوتاً، بنسبة 21% أيضاً، أى بفارق 1442 صوتاً. وبمرور 24 ساعة فقط، واصل البرادعى تصدر نتائج الاستطلاع بنسبة 21%، وبلغ عدد الأصوات 69 ألفاً و672 صوتاً، فى يوم الاثنين الماضى، بزيادة 37 صوتاً، واستمر سليمان فى المركز الثانى بنفس النسبة 21% بـ68 ألفاً و709 أصوات، بزيادة 516 صوتاً فى 24 ساعة فقط، وليتقلص الفارق بين البرادعى وسليمان إلى 963 صوتاً، بعد أن كان الفارق بينهما 58 ألفاً و86 صوتاً فى مطلع يوليو الماضى.
زيادة جديدة رصدتها «المصرى اليوم»، أمس الثلاثاء، فلم تمر سوى 24 ساعة ليزيد عدد أصوات عمر سليمان فى الاستطلاع من 68 ألفاً و709 أصوات، الإثنين الماضى، إلى 69 ألفاً و727 صوتاً، أمس، أى بزيادة 1018 صوتاً، مقابل 69 ألفاً و695 صوتاً للبرادعى، بعد أن كان عدد الأصوات أمس الأول الإثنين 69 ألفاً و672 صوتاً، أى أن البرادعى زاد 23 صوتاً فقط فى 24 ساعة مقابل 1018 صوتاً لصالح سليمان، ليتصدر سليمان استطلاع المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد 45 يوماً ظل البرادعى متصدراً خلالها.