اتهم مجلس النواب التونسي وأربعة أحزاب تونسية معارضة ممثلة في المجلس وتوصف بأنها موالية للحكومة قناة الجزيرة القطرية بمحاولة «زعزعة استقرار» تونس و«بث الفتنة» في البلاد.
واعتبر المجلس والأحزاب السياسية الأربعة في بيانات منفصلة نشرتها مساء الاثنين وكالة الأنباء التونسية الرسمية أن الجزيرة «توخت» في تغطيتها لاحتجاجات اجتماعية على البطالة انطلقت في 17 ديسمبر الجاري بولاية سيدي بوزيد الجنوبية «التهويل» و«التزييف» و«المغالطة».
وقالت الوكالة إن مجلس النواب، الذي يسيطر الحزب الحاكم على أغلب مقاعده، عبر «عن بالغ الاستياء من الحملات الإعلامية المغرضة التي تشنها قناة الجزيرة بهدف تشويه سمعة تونس وبث روح الحقد والبغضاء وتوظيف مجريات الأحداث لغايات مشبوهة واختلاق الاستنتاجات المضللة والمزاعم الواهية وفسح المجال للمناوئين والمشككين للإساءة لتونس على أساس التلاعب بالمشاعر والمغالطة الرامية إلى بث الفوضى وزعزعة الاستقرار والتشكيك في المنجز».
واتهم حزب الوحدة الشعبية «بعض القنوات الفضائية» بـ«تهويل وتزييف الوقائع» والاستناد في تقاريرها على مصادر غير موضوعية و«توظيف وجوه وشخصيات أفلست سياسيا وأخلاقيا وعدم التثبت من صحة مزاعم هذه الشخصيات»، مشيرا إلى أن «مزاعم الجزيرة وبعض وكالات الأنباء التي حذت حذوها باتت مكشوفة أمام الرأي العام الوطني وكل القوى الوطنية والمتمسكين بالمقاربة الموضوعية من أصدقاء تونس في الخارج».
واستنكرت «حركة الديمقراطيين الاشتراكيين» ما اعتبرته تهويلا من وسائل إعلام عربية وأجنبية للأحداث التي شهدتها محافظة سيدي بوزيد «وتوجيهها بطريقة تمس من صورة تونس وتوظيفها لأغراض مشبوهة». وقالت إنها «مع تمسكها بحرية الإعلام والتعبير بشكل موضوعي فإنها تندّد بهذه الأساليب التي تحرف الواقع وتؤجج المشاعر».
وانتقد الاتحاد الدّيمقراطي الوحدوي «اعتماد قناة الجزيرة في تغطيتها (للأحداث) على ما ينشر في الشبكة الاجتماعية (فيسبوك) من أشرطة وصور دون التمحيص والتحرّي والتثبت من صدقية ما ينشر»، معتبرا أنها «وقعت (بذلك) في عدة تجاوزات مهنية وخاصة بحجم المسيرات التضامنية التي تنظم وخلفيتها الصحيحة وأعطتها حجما أكبر مما هي عليه ميدانيا».
وندّد الحزب الاجتماعي التحرري «بالحملة الإعلامية المشبوهة التي تقوم بها قناة الجزيرة المنطلقة من أهداف مغرضة والساعية إلى خدمة أهداف تتقاطع مع مصالح المواطن وتتعارض مع خدمة الوطن». وذهب إلى القول بأن للقناة «أهدافا مغرضة تنطلق منها لصياغة مؤامراتها» التي تبين أنها تستهدف «حالة السلم المدني والاستقرار والتنمية في تونس».
واستنكر حزب الخضر للتقدم «أسلوب التحامل والتجني الذي توخته قناة الجزيرة في تغطيتها للأحداث الأخيرة في تونس بأن تعمدت تضخيم الأحداث والتركيز على البث المتكرر طيلة أيام عديدة لصور غير موثوقة المصدر ومعتمدة التركيب الموجه لهذه الصورة لأجل وضع الأحداث خارج إطارها ولإيهام الناس بوقائع ترتكز على الإثارة».
وأضاف الحزب أنه «كان على قناة الجزيرة التعاطي الموضوعي والنزيه مع ما جرى لا البحث عن الإثارة وزرع الفتنة وتهويل الأمور والتعمية عن حقيقة ما يجري».
يذكر أن تونس قطعت في أكتوبر عام 2006 ومن جانب واحد علاقتها الدبلوماسية مع قطر احتجاجا على استضافة «الجزيرة» في إحدى برامجها المعارض التونسي الراديكالي منصف المرزوقي (المقيم في فرنسا) الذي دعا التونسيين عبر القناة إلى عصيان مدني سلمي ثم أعادتها بعد نحو عامين اثنين.
وأكد بشير التكاري وزير العدل وحقوق الإنسان التونسي السابق في نوفمبر عام 2009 أن بلاده حجبت «مؤقتا» موقع «الجزيرة نت» (تابع لقناة الجزيرة الفضائية القطرية) الذي كان حينئذ واحدا من المواقع الإلكترونية الـ 100 الأكثر تصفحا في تونس.
وصرح آنذاك أن «أي موقع يدعو إلى الإرهاب أو إلى الجرائم» أو يوجه السباب دون بيان المصدر من واجب الدولة أن تحجبه مؤقتا إلى أن يتناسب مع مقتضيات القانون والآداب العامة في هذه الدولة». ولا يزال موقع «الجزيرة نت» محجوبا منذ ذلك التاريخ.
وفي سياق متصل، قال عدد من الصحفيين الأعضاء في نقابة الصحفيين التونسيين في بيان إنهم «اعتصموا» يوم الاثنين أمام مقر النقابة «للاحتجاج على التعتيم الإعلامي الممارس على الأحداث الاجتماعية بولاية سيدي بوزيد» وطالبوا السلطات «بفسح المجال أمام وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية لتناول هذه القضية بكل موضوعية ودون ضغوط».
وأعلن هؤلاء «تبرؤهم من بعض المقالات غير الممضاة التي نِشرت مؤخرا (في صحف تونسية) والتي تنقل أخبارا مشوهة عن الواقع بتلك المنطقة».
وقالوا: «نسجل بارتياح انفتاح بعض الصحف لنقل الأخبار الواردة بتلك الجهة، إلا أننا نشدد على المطالبة بإلغاء المضايقات المفروضة على بعض صحف المعارضة التي تناولت هذا الموضوع. كما نطالب برفع المضايقات من أمام الصحافيين وضمان أمنهم أثناء أداء مهمتهم النبيلة على الميدان».
وفي سياق متصل، أعلن حزبان معارضان (مشروعان) في بيانين ليل الاثنين أن السلطات صادرت العددين الأخيرين من الصحيفتين الأسبوعيتين الناطقتين باسميهما.
وأفاد «الحزب الديمقراطي التقدمي» الذي يوصف بأنه من أبرز أحزاب المعارضة المشروعة في تونس أنّ «السلطات عمدت إلى جمع نِسخ» العدد الأخير من صحيفة «الموقف» الناطقة باسم الحزب «بعدما تم توزيعه على الباعة، من دون أن يستند هذا الإجراء إلى قرار قضائي بمصادرة العدد».
وأوضح أن العدد تضمن مقالا رئيسيا على الصفحة الأولى بعنوان «أحداث سيدي بوزيد: حذار من انتشار الحريق»، وملفا في الصفحتين السادسة والسابعة تضمن تحقيقا بعنوان «لهذه الأسباب انتفضت سيدي بوزيد» ومقالا إخباريا في الصفحة الثامنة بعنوان «وقائع انتفاضة أهالي بوزيد» ومقالا آخر بعنوان «إجماع على إدانة القمع الذي تعرض له المحتجون».
وذكر حزب «حركة التجديد» أن العديد الأخير من جريدة «الطريق الجديد» الأسبوعية الناطقة باسم الحركة تم منعه من التوزيع واحتفظت الشركة الموزعة بهذا العدد في مخازنها لأسباب «واهية». وأوضحت أن هذا العدد يحتوي على تغطية شاملة للأحداث في سيدي بوزيد ومقالات تحليلية لأبعاد هذه الأحداث.
وطالبت «بإطلاق سبيل العدد المعطل والإقلاع عن هذه الممارسات والاعتراف بالرأي المخالف والإقرار بالتعددية في المواقف وحرية وسائل الإعلام في التعامل مع الأحداث الوطنية».
وبدأت يوم 17 ديسمبر الجاري في مدينة سيدي بوزيد (265 كلم جنوب العاصمة تونس) احتجاجات سلمية، تحوّلت في اليوم التالي إلى مواجهات مع الشرطة إثر إقدام محمد بوعزيزي (26 عاما) وهو خريج جامعة عاطل عن العمل على إحراق نفسه أمام مبنى المحافظة احتجاجا على تعرضه للضرب على يد شرطية (امرأة) منعته من بيع الخضر والفاكهة دون ترخيص من البلدية ولرفض الولاية قبوله لتقديم شكوى ضد هذه الشرطية.
وقالت الحكومة إن الشاب نقل «لتلقي العلاج بمركز الإصابات والحروق البليغة» بمحافظة بن عروس جنوب العاصمة دون أن تعطي تفاصيل عن وضعه الصحي.
وتأججت الاحتجاجات وامتدت إلى من مدن أخرى بمحافظة سيدي بوزيد بعد أن أقدم شاب آخر عاطل عن العمل يدعى حسين ناجي (24 عاما) على الانتحار يوم الأربعاء الماضي في مركز المحافظة احتجاجا على عدم حصوله على عمل بعد أن تسلّق عمودا كهربائيا ولمس أسلاك كهرباء بقوة 30 ألف فولت.
وبلغت الاحتجاجات ذروتها يوم 24 ديسمبر الجاري عندما اندلعت مواجهات دامية بين نحو ألفي متظاهر في مدينة منزل بوزيان ومئات من قوات الأمن دفعت بها السلطات لإعادة النظام إلى المدينة. وأصدرت وزارة الداخلية بيانا مساء نفس اليوم قالت فيه إن هذه المواجهات أسفرت عن سقوط قتيل واحد وجريحين اثنين من المدنيين و«العديد» من الجرحى من رجال الأمن فيما أكدت مصادر غير رسمية أن الحصيلة ارتفعت إلى قتيلين اثنين (مدنيين) ونحو 10 جرحى معظمهم مدنيون.
وتقول نقابات وأحزاب معارضة إن معدل البطالة مرتفع في محافظة سيدي بوزيد وخاصة في صفوف خريجي الجامعات وأنه يتجاوز المعدل العام للبطالة في البلاد.
ويعيش أغلب سكان المحافظة وعددهم أكثر من 400 ألف على الزراعة بشكل أساسي.
وأظهرت إحصاءات رسمية حديثة أن نسبة البطالة في تونس التي يقطنها أكثر من 10 ملايين نسمة بلغت 13 بالمئة وأن البلاد تعد نحو نصف مليون عاطل عن العمل من بينهم 22 بالمئة من خريجي الجامعات.
وتضخ مؤسسات التعليم العالي التونسية سنويا حوالي 60 ألف خريج جديد تقر الحكومة أن توفير وظائف لهم جميعا أمر غير ممكن.