عشتُ أياماً كأننى فى معسكر.. أصحو أحياناً فى الخامسة صباحاً، لأدرك الجلسات الصباحية، ثم أعود مسرعاً بعد الظهر، لأسجل ملاحظاتى وأكتب مقالى.. المفاجأة أن جيل الكبار كان أكثر انضباطاً وأكثر جدية.. سواء فى توقيتات النوم، أو توقيتات حضور الندوات.. أول من يحضر وآخر من ينصرف.. لم يتوقفوا عند مسائل تافهة وصغيرة، ولكن عند نقاط الضوء، وأظنها كانت ظاهرة للعيان!
لا شك أن معنويات مصر قد تجددت بعد مؤتمر الشباب.. ربح الشباب وربح الرئيس.. ربح الكتاب والصحفيون وربحت الحكومة.. الحوار فى حد ذاته مفيد للغاية.. كان المؤتمر فرصة للتلاقى وتقريب المسافات.. بين الأحزاب والحكومة، وبين النواب والحكومة.. وكنا أقرب إلى مصادرنا من جهة، وشيوخ مهنتنا من جهة أخرى.. أما الشباب فقد كسر حاجز الخوف.. واستعادت مصر روحها مرة أخرى!
ومن أمتع الأشياء أننا لم نكن بجوار الرئيس، أو كبار رجال الدولة فقط.. ولكن لأننا كنا بجوار شيوخنا أيضاً.. أمثال الأساتذة مكرم محمد أحمد وصلاح منتصر ومفيد فوزى وعبدالمنعم سعيد وعباس الطرابيلى ووسيم السيسى ويوسف القعيد وأسامة الغزالى حرب.. تخيل حين يكون كل هؤلاء بجوارك فى طرقات المؤتمر وندواته، ومطاعمه.. هكذا كانت ليالى شرم غنية وثرية وراقية وبلا حواجز!
وكثيراً ما كانت موضوعات المؤتمر مثار نقاش آخر فى ندوات صغيرة، بعد العودة للراحة.. الشباب يطرح الأسئلة، ويستوضح بعض الخفايا والأسرار.. يناقش ما يتداوله شباب الفيس بوك.. يقرّ ما يقوله بعضهم فى نواح معينة، ويرفض ما يرددونه من قلة ذوق وجليطة فى الغالب.. وكان بطل ندوات المساء الدكتور عبدالمنعم سعيد يشرح بأسلوب راق كل المسائل، دون أن ينال من شخص أحد!
حضر المؤتمر من كتاب «المصرى اليوم» كثيرون منهم صلاح منتصر وعبدالمنعم سعيد وأسامة الغزالى حرب، وهو صاحب مبادرة الإفراج عن شباب المحبوسين، وكانت التوصية الأولى للمؤتمر، والقرار الأول لرئيس الجمهورية فى قائمة القرارات الرئاسية.. كما حضر ياسر عبدالعزيز، والوزير حلمى النمنم، الذى حرص على التواجد مع الكتاب أكثر من الوزراء.. وشكرت له مبادرة جائزة الإبداع!
التقيت أيضاً بكبار رجال الدولة وسألتهم عن أشياء كثيرة.. من أول أزمة الدولار والسياحة إلى أزمة الحريات وحقوق الإنسان، وتمكين الشباب.. وقال لى مسؤول كبير: مكنوا الشباب بقى.. فقلت مبتسماً: هيحصل.. وكأنه كان يرى أن الإعلام يستطيع أن يدفع فى ذلك، بأسرع مما تريد الحكومة.. وأعتقد أن الإرادة السياسية موجودة، وقد كانت العائق الأساسى فى مثل هذه الأمور، فى وقت سابق!
التقينا فى شرم الشيخ على حب مصر.. وعُدنا منها ونحن نشعر بالحزن على أحوال مدينة السلام.. أنت فى بقعة من الجنة، وللأسف ليس فيها بشر.. وهو ما يدل على أن هناك حالة استهداف حقيقى لمصر.. وقد صارحت اللواء خالد فودة بحزنى، فقال: حطوا إيديكم معانا.. ولكنه عاد وطمأننى أن مصر لن تسقط مهما كان!