ثمة تعريفات عديدة، قانونية وأكاديمية للمبانى التراثية، غير أنه إذا ما أردنا تلخيص هذه التعريفات، فيمكن القول بأن الفرق بين المبانى غير التراثية والتراثية هو المعنى، المعنى الذى يجسده المبنى، المعنى الثقافى والحضارى والتاريخى، وليس فقط عدد السنوات التى مرت على إنشائه.
هكذا، فإن مبانى وسط البلد التراثية تحمل العديد من المعانى، أبرزها أنها كانت مبانى «كوزموبوليتانية» جسدت التعدد الثقافى والعرقى الذى كان سمة مصرية فى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات العشرين، ولم تكن مبانى «كولينالية» شيدها المستعمرون الأجانب لأبناء المستعمرات، كما هو الحال فى عمارة مدن كثيرة فى شمال أفريقيا والهند على سبيل المثال، فنجد فى قلب وسط البلد عمارات تم تشييدها وفق الطرز المعمارية التى كانت سائدة فى أوروبا وقت البناء، لكن المالك يهودى والمهندس فرنسى والسكان خليط من المصريين والشوام والأرمن والإيطاليين وهكذا. وقبل سنوات قليلة، انطلق مشروع طموح لإعادة إحياء القاهرة الخديوية، يبدأ بترميم وتجميل العمارات التراثية، هو مشروع مستمر ومتواصل حتى الآن، لكنه مثار جدل واسع بين رؤى متعددة ومدارس معمارية مختلفة وأطراف متباينة، بعضها يرى أن المشروع ليس كافيا لإنقاذ هذا التراث المعمارى المتميز، وأخرى تحمل نقدا لطريقة عمله التى تقوم على ترميم الواجهات فقط. فى هذا الملف عن المبانى التراثية فى وسط البلد، تقدم «منطقتى» فى عدة حلقات، دليلا كاملا عن هذه المبانى، وطُرزها المعمارية المتنوعة، وأشهر أسماء المعماريين الذين صمموها، مصريين وأجانب، وحكاياتها المثيرة وأهم الأشخاص الذين عاشوا فيها، وارتباطاتها التاريخية والاجتماعية، وصورا نادرة لها، كما نناقش مشروع إعادة إحياء القاهرة الخديوية من وجهات نظر مختلفة.