أثار مشروع قانون تنمية وتطوير صناعة المركبات والصناعات المغذية لها، أو ما يعرف باسم «استراتيجية السيارات» جدلا واسعا في سوق السيارات، بين الاتهامات التي وجهت لبنود مشروع القانون، والآمال التي يتطلع إليها من صنع البنود، نحاول خلال السطور التالية تحليل أبرز بنود مشروع القانون.. المذكرة التوضيحية التي أرسلتها وزارة الصناعة مع مشروع القانون إلى مجلس النواب، بدأت بالآتى: «أثبتت جميع الدراسات والتجارب الدولية أن القطاع الصناعى هو أكثر القطاعات قدرة على إيجاد فرص عمل حقيقية، ليس فقط داخل القطاع الصناعى ولكن أيضا في القطاعات الأخرى المرتبطة به كما أنه هو القطاع الأكثر قدرة على تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة، وبمراجعة بعض التشريعات المقارنة تبين قيام بعض الدول بمساندة صناعتها الوطنية بكل السبل المتاحة إدراكاً منها بأنه السبيل الأوحد لتحقيق الأهداف المشار إليها».
وهو ما يشير صراحة أن الغرض من القانون هو فرض الحماية ومساندة صناعة تجميع السيارات، وليس إفساح المجال لجلب استثمارات في القطاع على أسس واضحة، ومحفزات مغرية للشركات العالمية وللمستثمرين الأفراد.. والفرق كبير جدا بين حماية وجلب استثمارات، وبين العكس. كنا نتوقع أن تكون الأهداف الاستراتيجية الواجب اتباعها لتنمية صناعة السيارات والصناعات المغذية كالأتى:
(1)
العمل على زيادة حجم سوق السيارات بنسبة لا تقل عن 25 % سنويا للوصول إلى الحد الأمثل للطلب السنوى على السيارات طبقا لعدد السكان وهو 600.000 سيارة بحلول عام 2020. حيث أن قطاع السيارات هو أحد أهم الأنشطة التجارية والصناعية والاستثمارية والخدمية لمؤشرات خطط التنمية الاقتصادية في أي دولة.
(2)
العمل على خلق منافسة حقيقية بين الإنتاج المحلى والمستورد للعمل على تحسين جودة وتخفيض التكلفة للمنتج المحلى لخلق فرص تصديرية لهذا الإنتاج بالأسواق العالمية وليس حماية المنتج المحلى على حساب المستورد بزيادة التكلفة عليه لصالح المحلى.
وهو ما يضع علامات استفهام ضخمة قبل البدء في تحليل بنود القانون. أهمها؛ إلى متى تستمر الدولة في حماية الصناعة؟ علما بأن الحماية موجودة ومستمرة وتتعاظم منذ الستينيات!. بالعودة بالذاكرة خلال العقود الأربعة الماضية ورغم الحماية والمحفزات، لم يتم تصدير سيارة واحدة إلى الخارج.
ربط تجميع السيارات بمكونات الإنتاج
جاء ضمن أهداف مشروع القانون التالى: الحفاظ على استثمارات قطاع صناعة المركبات والصناعات المغذية لها والعمالة التي تستوعبها هذه الصناعات. وتشجيع قطاع صناعة المركبات والصناعات المغذية لها بضخ استثمارات جديدة سواء وطنية أو أجنبية وما يصاحبها من توليد فرص عمل في السوق المصرية، وذلك من خلال برنامج الحوافز الذي يقدمه مشروع القانون المعروض. وزيادة نسبة التصنيع المحلى في هذا القطاع وزيادة الصادرات المصرية سواء من السيارات تامة الصنع المنتجة في مصر أو من المكونات والصناعات المغذية لها من خلال ربط ما يقدم من حوافز بما تحققه الصناعة من نمو في نسبة التصنيع المحلى وزيادة النسب التصديرية.
وهنا نطرح سؤال مهم جدا: لماذا الإصرار على الارتباط؟ جميع الخبراء السابقين والحاليين أجمعوا أن صناعة مكونات الإنتاج هي مستقبل مصر الحقيقى، ويجب على الدولة الاهتمام بها ودعمها بشتى الطرق، على عكس تجميع السيارات، فالأولى تشجع على إقامة المصانع وليس العكس. ولنترك الخبراء ولنسترجع حديث وزير الصناعة الأسبق المهندس رشيد محمد رشيد، الذي قال يوم 26 ديسمبر سنة 2005 في لقائه مع أعضاء المجالس التصديرية: «أن مصر لا تمتلك إمكانية تصنيع سيارة كاملة، وأن فرصتها أكبر في مجال تصنيع قطع غيار السيارات وتصديرها». حديث الوزير كان بعد يوم واحد من إصدار قرار بتقييد منح التراخيص الخاصة لمصانع تجميع السيارات، وألا تقل نسبة التصنيع المحلى في صناعة التجميع عن 45% وفى حالة انخفاض هذه النسبة وجب استكمال النقص عن طريق تصدير مكونات محلية أو سيارات تامة الصنع، وشدد القرار الوزارى على إلغاء ترخيص المصانع التي تخالفه بعد أن سمح لها بتوفيق أوضاعها خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بالقرار. أليس من الأفضل العمل على تكثيف ودعم الصناعات المغذية للسيارات والمساعدة على خلق فرص تصديرية للأسواق العالمية كما حدث في مصنع S E Wiring Systems والذى تديره مجموعة سوميتومو اليابانية في مدينة بورسعيد والذى يقوم بتصدير جميع منتجاته إلى الخارج باستثناء ما يتم توريده للهيئة العربية للتصنيع.
الالتفاف على اتفاقية الشراكة الأوروبية وأغادير
مشروع القانون قام بتعديل فئات الضريبة الجمركية على السيارات المستوردة بخفضها لتصبح ١٠٪ من القيمة المتخذة لاحتسابها، وقام بفرض ضريبة جديدة لتنمية الصناعة بنسب مختلفة بحسب السعة اللترية للسيارات. ما يعنى عودة الأمور لما كانت عليه قبل توقيع الاتفاقيات الدولية المختلفة، بمعنى أن جميع التخفيضات الجمركية على السيارات ذهبت إلى غير رجعة، وتم استبدال التعريفة الجمركية بضريبة جديدة. ولا أحد يعتقد أن الطرف الثانى في الاتفاقيات (الشراكة الأوروبية – أغادير – الكوميسا – التركية ) لن يتعامل بالمثل، وبالتالى وضع عراقيل إضافية على احد أهداف القانون، وهو تصدير سيارات مصرية المنشأ!.
مشروع قانون ضد قناعة وزير الصناعة
جاء في مشروع القانون، تعميق الصناعة بزيادة نسبة التصنيع المحلى في السيارة بشكل تدريجى خلال سنوات البرنامج لتصل إلى ٦٠٪ في حالة سيارات الركوب وسيارات نقل الأشخاص وإلى ٧٠٪ في حالة سيارات النقل الخفيف والنقل المتوسط. القانون الحالى يلزم جميع المصانع بنسبة من 40 إلى45% مكون محلى، ومشروع القانون يمنح المصانع فرصة لمدة 8 سنوات لرفع النسبة 20%، لتصل إلى من 45% إلى 60%. إذا مطلوب من المهندس طارق قابيل وزير التجارة والصناعة، تفسير لما قاله يوم 07-08-2016 في كلمته خلال اجتماع لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب: «لكى نصل إلى تصنيع سيارات حقيقى، علينا أن ننتج على الأقل سيارات بمكونات مصرية تصل نسبتها 80%، لأنه لا يوجد بلد على مستوى العالم تصنع السيارات بنسبة 100%»، ونفى قابيل أن تكون نسبة المكونات المصرية في بعض السيارات تصل 45 %، مضيفًا: «الكلام ده غير صحيح، والنسبة فقط تصل نحو 17%».
إذا هو اعتراف رسمى من الحكومة المصرية، أمام البرلمان المصرى أن السيارات المجمعة بها مكون محلى بنسبة 17%، وهو تصريح يعنى أن ما يجرى من تجميع في مصر لا أساس له من الصحة، وبعد 50 سنة من حماية حكومية تنعم بها شركاتنا ومصانعنا نكتشف وعلى لسان الوزير أن المصانع وهم كبير نعيش فيه.
لماذا 60% مكون محلى ؟
لا استطيع إغفال ما ذكره المهندس رأفت مسروجة، العضو المنتدب السابق للشركة الهندسية لصناعة السيارات، والرئيس الشرفى لمجلس معلومات سوق السيارات في تصريحات سابقة له، حيث قال: «ما تحتويه الاستراتيجية من تعميق للصناعة المحلية، وزيادة المنتج المحلى من 45% إلى 60% هو كلام «ضحك على الذقون» ليس له أي معنى، فأقوى دول العالم الصناعية تكتفى بنسبة 40% فقط، السيارات الأوروبية مثلا طالما هناك مكون أوروبى «من أي دولة أوروبية» في السيارة اليابانية مثلا المجمعة في فرنسا، تصبح سيارة أوروبية المنشأ.
أين الشركات العالمية صاحبة القرار؟
لم يشر مشروع القانون من قريب أو بعيد عن الشركات العالمية صاحبة القرار في التجميع أو حتى التصدير!، وهو أمر غاية في الغرابة، كيف نضع منظومة كاملة لصناعة السيارات، ولا نشير لمن يمتلك الصناعة نفسها؟! هل يظن القائمون على إعداد المشروع أن الوكيل يستطيع إقامة مصنع وتجميع أي سيارة وفقا لهواه أو إرادته؟ خبير آخر له رأى هام وهو عمرو نصار، أمين عام المجلس التصديرى للصناعات الهندسية، نصار قال أن استراتيجية صناعة السيارات المطروحة في مصر عكس ما يحدث في دول العالم، دائما التركيز على صناعة السيارات في مصر ينصب على خدمة العاملين في القطاع والمستثمرين والمصانع وحمايتهم، عندما نتحدث عن استراتيجية، فالأساس هنا شركات السيارات العالمية والشركات الأم وليس المصانع والشركات المحلية أبدأ كدولة في عمل مجموعة من المحفزات مقابل مجموعة شروط. ويكمل نصار، لو نتحدث عن استراتيجية حقيقية، هذا يعنى الكمية، كمية الإنتاج 100 ألف أو 200 ألف من موديل أو اثنين من الماركة، وبالتأكيد هذا يعنى وجوب التصدير للخارج، من لديه الخريطة التصديرية؟ الشركة الأم هي التي تعرف احتياجيات كل بلد في إفريقيا مثلا، تحدد المصنع الذي يقوم بالتصدير، الشركة الأم تدرس الاتفاقيات التجارية بين الدول المختلفة، تدرس أسعار الشحن، وبعد المسافة وغيره، وفى النهاية هي من تقرر التصدير من عدمه. أي استراتيجية صناعية تقوم على هذا الأساس، الاستراتيجية هنا قامت بالعكس، قامت بالتركيز على خدمة القطاع القائم ومساندته فقط حتى لو كان المقصود منها الصالح العام
اختر الإجابة الأسهل؟
القانون بالنسبة للتصنيع المحلى لا يعتمد على تشجيع التصدير بصفة أساسية، بل لتغطية احتياجات السوق المحلى في الأساس، ووضع احد شروط الحافز الاستثمارى هي تصدير 25% من المكون النهائى بصفة اختيارية وليست أساسية، لوجود بديلين لها للحصول على الحافز، هما زيادة نسبة المكون المحلى إلى 60% أو إنتاج 60 ألف سيارة خلال 8 سنوات للسيارات أقل من 1600سى سى.
كذلك عدم وجود أي تنمية للصناعات المغذية نظرا لعدم وجود إلزام بتصنيع المكونات المغذية محليا وخاصة للمكونات التي تتدخل في نسبة التجميع للمكون المحلى بل استمرار استيراد المكونات من الخارج مفككة عن طريق شركات مستوردة أخرى، وإعادة بيعها إلى الشركات المجمعة على أنها مشتريات مصنعة محليا كما حدث منذ بداية التجميع المحلى ويحدث حتى الآن في أغلب المكونات، وكذلك عدم إلزام الصناعات المغذية بالحصول على شهادات جودة محدده لتتمكن من المنافسة وإعادة تصدير فائض الإنتاج.
الإنتاج الكمى.. والافتقار للحلول العملية
إنتاج 60 ألف سيارة ركوب ١٦٠٠ سى سى أو 8 آلاف سيارة أكبر من ١٦٠٠ سى سى أو 50 ألف سيارة نقل خفيف متوسط.
هذه عناصر الإنتاج الكمى للحصول على الحافز، وبالنظر إلى الأرقام، نجد أنه لا يستطيع أي مصنع محلى إنتاج هذه الأرقام على الإطلاق، لكن هناك شركتين تقفان على مقربة من هذه الأرقام بشرط إنتاج خليط. بمعنى، ماذا لو استطاعت الشركة إنتاج 20 ألف سيارة ركوب، و25 ألف سيارة نقل، و10 آلاف أوتوبيس صغير؟ هذه نقطة غاية في الأهمية، لم يوضحها القانون على الإطلاق، هل يقصد بهذه الأرقام المصنع أم الشركة أو العلامة التجارية؟ مصنع السيارات التابع للهيئة العربية للتصنيع، وهو الأكبر والأضخم في مصر، يقوم بتجميع سيارات لحساب الغير، هل لو قررت عدة شركات التصنيع واتفقت مع مصنع الهيئة، هل سيحصل المصنع على الحافز مثلا؟ حتى شركة بروتون الماليزية عندما بدأت دراسة التصنيع وقطعت شوط كبير فيه، وجدت أنه من الأنسب البداية بخط إنتاج في أحد المصانع القائمة، أيضا پيچو تنتج بالفعل موديل في الهيئة العربية للتصنيع.
قانون غير دستورى!
جاء الجزء الأهم في المادة الرابعة من مشروع القانون، حيث قرر فرض ضريبة جديدة تسمى ضريبة تنمية صناعية وهى بالنسبة لسيارات الركوب كالآتى: 30% على السيارات الأقل من 1600 سى سى، و100% على السيارات ذات السعة اللترية من 1600 سى سى وحتى 2000 سى سى، و135% على السيارات الأكبر من 2000 سى سى. وبالبحث والسؤال داخل أروقة وزارة المالية، المنوطة بتطبيق الضريبة، فاجأنا مصدر رفض ذكر اسمه، حين كشف أن المناقشات التي دارات بين وزارة المالية متمثلة في مصلحتى الضرائب والجمارك، واللجنة التي شكلتها وزارة الصناعة لإعداد استراتيجية صناعة السيارات والمتمثلة في أعضاء من اتحاد الصناعات المصرية متمثلة في غرفة الصناعات الهندسة، لمناقشة مشروع القانون، انتهت انه لا يجوز فرض ضرائب جديدة على السيارات. وقال المصدر أن الضريبة المقترحة قد تتسبب في أزمة كبيرة قد تقع فيها مصر، نظرا إلى أن الاتفاقيات الدولية وخاصة أغادير والاتحاد الأوروبى تنص على إعفاء جمركى شامل لبند السيارات، ولذا فانه لا يجوز الالتفاف على هذا البند. وقال المصدر أن هذا القانون في حالة سنه وتطبيقه قد يتعرض لعدم الدستورية نظرا إلى أنه لا يجوز فرض ضريبة تتعلق بقطاع واحد فقط، فالضرائب في مصر ليست جباية.
واستطرد المصدر قائلا، أن الجهات اقترحت في استراتيجيتها أن ضريبة التنمية الصناعية تفرض على السيارات محلية الصنع، وتشترط الإعفاء أن المصنع يحقق احد أهداف الاستراتيجية الثلاثة. أولا: تعميق الصناعة بزيادة نسبة المكون المحلى خلال سنوات البرنامج «٨ سنوات» بشكل تدريجى لتصل إلى 60% في حالة سيارات الركوب، ثانيا، الإنتاج الكمى: إذا بلغ إنتاج الشركة الحدود الدنيا السنوية، وأخيرا التصدير إذا تم تصدير مكونات محلية بقيم تبدأ من 25%من إجمالى الإنتاج، واقترحت اللجنة أن يتم إنشاء صندوق «تنمية السيارات» يمول من الضرائب التي سيتم تحصيلها «ضريبة تنمية الصناعة» وهذا ما تم رفضه، فالضريبة يجب ان تورد للموازنة العامة للدولة ولا يجوز فرض ضريبة لجهة بحد ذاتها. وبالتأكيد، توجهنا لأحد فقهاء القانون الدستورى، المحامى الشهير الدكتور شوقى السيد، الذي أكد ما قاله مصدرنا بوزارة المالية. الفقيه الدستورى قال: «أن مشروع قانون تنمية وتطوير صناعة المركبات والصناعات المغذية والمعروف إعلاميا باستراتيجية صناعة السيارات، والذى تم أحالته من قبل وزارة الصناعة للبرلمان، سوف يتم رفضه بمجرد إرساله إلى مجلس الدولة لمراجعته، كما أنه في حالة صدوره سوف يطعن عليه بعدم الدستورية».
وقال أستاذ القانون الدستورى لموقع «مارشدير» الالكترونى المتخصص في السيارات، أن الفلسفة القانونية للضريبة بصفة عامة أنها ليست للجباية، كما أنها يجب أن تشمل كل الأنشطة المماثلة، ولابد أن تحقق تكافؤ الفرص لجميع الأنشطه، بمعنى أنه لا يستفيد قطاع على حساب الأخر. وأشار الدكتور شوقى السيد، أن الضريبة تحصل من أجل تنمية إدارة الدولة وإنفاقها بما يحقق العدالة الاجتماعية وليس توجهها لقطاع دون الآخر، فنجد أن قطاع الصناعة المحلية جزء منه قد يستفيد من الضريبة فيما يتعلق بالسيارات فيما لا يستفيد الجزء الأخر، فضلا عن ما سيفرض لتقييد المستورد. وأكد الدكتور شوقى السيد، أن القوانين الخاصة بالضرائب لها قواعد في الإعداد والتشريع، نظرا إلى أن تحصيله يتم من دخول الأفراد والمنتجين وغيرها من الجهات الأخرى، ولذا لابد أن تحقق الغرض منها، وعدم تفضيل قطاع على حساب الأخر حتى وان كان داخل نفس المهنة أو الصناعة.