أقيمت، أمس، فعاليات الجلسة الثانية (أ) من الملتقى الدولي للثقافة الشعبية العربية- رؤى وتحولات، والتى نظمها المجلس الأعلى للثقافة بأمانة د. أمل الصبان، بالتعاون مع المركز الحضارى لعلوم الإنسان والتراث الشعبي برئاسة د.محمد غنيم، الأستاذ بكلية الآداب جامعة المنصورة، وذلك بالمجلس الأعلى للثقافة، حيث تناول د. خطرى عرابي في بحثه بعنوان «تجليات الغزل العفيف في غناوي العلم»، محاولة لربط الثقافة البدوية المعاصرة بالثقافة البدوية.
وأكد «عرابي» على أن هذه الدراسة تهدف إلى التعريف بهذا النوع البدوي المتميز، وسماته الفنية، وقيمه الموضوعية، وطريقة أدائه، كما تهدف إلى حصر الموضوعات التي تتناولها غناوي العلم والوقوف على أكثر الموضوعات ثراءً، وهو موضوع «الغزل العفيف»، مع تلمس النقاط المشتركة بين الغزل العفيف في الثقافة العربية القديمة، ونظيره في غناوي العلم.
واستعرض خليل عودة، بحثه بعنوان «الثقافة الشعبية بين الإقناع والإمتاع»، فقال إن الثقافة الشعبية مصدرًا مهمًا من مصادر تكوين الشخصية وتشكيلها، لأنها الأساس الفكري والعاطفي الذي يستمد منه الشخص قيمه الأخلاقية والإنسانية وهي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأسرة التي ينشأ فيها، والمجتمع الذي ينخرط فيه سلوكيًا واجتماعيًا وهذه الثقافة الشعبية التي تعد مصدرًا مهمًا من مصادر الحديث المتداول بين الناس تحمل كثيرًا من التوجيهات التي تصبح مع مرور الوقت جزءًا مهمًا من تكوين شخصية الفرد وتحديد سلوكه.
وقال على بزي، في كلمته بعنوان «جذورنا تراثية في ثقافتنا الشعبية» إنه لو تتبعنا حركية التواصل العالمية بين البشر، نجد التطور المضطرد لهذا التواصل بدءًا بالتواصل التقليدي حتى عصر ثورة المعلوماتية العالمية في ميدان الإنترنت والفضائيات. ونحن كباحثين ومتتبعين لهذه الحركية التواصلية الاجتماعية نركض في مساحات الزمان والمكان، نحط الرحال لنستنطق حينًا ونطير مع الزمن الضوئي أحيانًا. الإنسان يكبر وينمو والكرة الأرضية تصغر وتضيق. هناك جدلية دائمة بين التقدم والحضارة، بين الثقافة والحداثة، بين ما هو قديم وما هو حديث... من بين هذه الجدليات الثقافة الشعبية كهوية لمجتمعٍ ما، واضاف الثقافة الشعبية التي يبدعها الشعب عبر حقب زمنية متعاقبة تشكل مادة غنية ومعبرة ذات دلالات رمزية ضمن المنظومة الثقافية للمجتمع. والثقافة الشعبية عامل أساسي في توحد الجماعات وعلى مختلف دوائر الانتماء، هذا ما يجب إبرازه والتركيز عليه وفق الدراسات المبنية على الأسس العلمية، كما علينا أن نعمل على القواسم المشتركة في الثقافة الشعبية لتوطيد أواصر اللحمة على مستوى مجتمعاتنا العربية في مواجهة الثقافة الكونية القادمة مع العولمة، حيث نجد أنفسنا أمام تحدٍّ، في تأكيد هويتنا.
وقال محمد الجزيراوي، في كلمته بعنوان «الحرف الشعبية في عالم متغير»، إنه لا يمكن تناول مسألة الموروثات الشعبية اليوم، بشقيها المادي وغير المادي، خارج واقعها الدقيق بصعوباته المتعددة وتأثيراته المختلفة وتحدياته المتنوعة التي قد تؤدي ببعض العناصر إلى التلاشي والذوبان. إذن فالمسألة بالنسبة للباحث يجب أن تتجاوز اهتمامات من مثل جمع وحفظ وتثمين التراث، وهي أمور مهمة دون شك، إلى محاولة التركيز على رصد المتغيرات التي تمس الثقافة الشعبية وتحليلها وتقييمها وإبداء الرأي وطرح الرؤى حولها أمام المجتمع المدني وأصحاب القرار. في هذا الإطار العام يأتي مؤتمر «الثقافة الشعبية العربية: رؤى وتحولات» لطرح هذه الإشكالية وغيرها من الإشكاليات التي تمس الثقافة العربية المعاصرة عامة.
وأضاف أن هذه المداخلة تسعى إلى تناول هذا الموضوع من خلال وضعية الحرف الشعبية التونسية في عالم سريع التغير، وذلك من خلال نماذج تطبيقية لبعض الحرف التي قاومت التحديات التي فرضتها العولمة بالاستفادة مما وفرته هذه الأخيرة من انتشار مذهل لوسائل وتقنيات عمل عصرية دون أن يمس ذلك من جوهر الممارسة الحرفية، ولعل أهم مظهر من مظاهر صمودها ما أسميته بأسلوب «إعادة ترتيب وظائف منتجاتهم».الثقافة الشعبية العربية ودور الشباب المعاصر.
وأخيرًا جاءت كلمة مي هاشم بعنوان «المأثور الشعبي في الأعمال الإبداعية: عبدالله الطيب نموذجًا»، فقالت إن التراث هو المخزون الثقافي الذي تتوارثه الأجيال ويضمن حسن تواصلها ووحدة كيانها، ويشتمل التراث على مجموعة من القيم الفكرية والثقافية والاجتماعية التي تتشكل في ضمير الشعوب عبر العصور فتتطبع بها وتغدو جزءًا منها، لذا سعى الأدباء للحفاظ على هذا المأثور عبر استلهامه في أعمالهم الأدبية، إذ يمثل التراث لدى الشعوب خاصةً الأدباء مصدرًا للإلهام الثّر الذي يرفدهم بكثيرٍ من المعلومات ويزودهم بالشحنات الإيجابية التي تثري إنتاجهم الأدبي والإبداعي، فإن كل معطى تراثي يرتبط بوجدان السامع تلقائيًا ويترك في نفسه ألوانًا من الدلالات.
وأضافت هاشم أن التراث الذي قام باستلهامه عبدالله الطيب في كتابه (الأحاجي السودانية) عبر إعادة إنتاج مجموعة من القصص الشعبية السودانية وتوثيقها حفظًا من أن تضيع من أيدينا بسبب التحديات المعاصرة من عولمة وتداخل ثقافات، فنجد أن الكتاب جسّد قيمًا وأفكارًا وشخصياتٍ برزت كرموزٍ موحيةٍ تستدعي كلّ منها معاني ودلالات بعينها وبات بعضها مضربًا للأمثال المتداولة بين الناس وجزءًا من ثقافتها، يقدم هذا البحث نموذجًا لاستلهام المأثور الشعبي في الأعمال الإبداعية متمثلاً في كتاب الأحاجي السودانية للكاتب عبدالله الطيب، إذ تنبع ضرورات حماية الهوية وصيانة خصوصيتها الذاتية من التطور الحضاري الإنساني والتفاعل الحضاري الثقافي بين الأمم والشعوب، وكان لا بد من سبلٍ يمكن تطبيقها في ضوء الفرص المتاحة، وإن استلهام المأثور الشعبي في الأعمال الإبداعية أحد أنجع السبل للحفاظ على التراث الشعبي من الاندثار في ظل جميع التحديات، كما يستعرض البحث مسحًا وتحليلاً لارتباط الشباب بالموروث الثقافي ومقارنته من الجانب المفاهيمي والفكري والفني للجيل المعاصر من الشباب وإلى أي مدى يمكن أن تؤثر الثقافة الشعبية في الحركة الثقافية لهذا الجيل.
وبدأت بعدها فعاليات الجلسة الثانية (ب) من الملتقى الدولى للثقافة الشعبية العربية والتي أدارها د.خالد عزب.
تحدثت د.إيمان العيسوى، في بحثها «تحقيب الثقافة العربية ما بين التجديد والتبديد»، حيث أكدت فيه أن الثقافة مكون مادى ملموس، ومعنوى غير ملموس، وأن الثقافة تأتى من البشر ثم تنعكس على الوجود بأكمله، كما أكدت على أهمية اللغة، وكل ما يشير من دلالات، وأن كل ما يفهم يعد لغة، فاللون على الشواطئ لغة، ونغمة الفرح ونغمة الجنازات لغة، كما قالت أن الثقافة العربية هي المنطوق القيمى الذي انعكس على الحضارة في منطقة الشرق الأوسط، وأن رصد التراث الثقافى هو الطريق الأهم لرصد الهوية الخاصة بكل مجتمع، واختتمت حديثها بالتأكيد على أهمية الفلكلور الثقافى، وخاصة الأغنية الشعبية التي يمكن أن نستدل بها على الثقافة السائدة وقت ظهورها.
وعن الثقافة الشعبية والآخر تحدث د.سعد الكموني واصفًا الظروف التي تمر بها الأمة العربية الآن بأنها من أحلك الظروف لما نشهده رهيبة تظهر بقوة في المنطقة، وأكد على أهمية مضاعفة الجهود لتشخيص العلة، وأن أسباب القصور الثقافى الذي نشهده الآن يأتى في المرتبة الأولى بسبب تقادم ثقافتنا وعدم مسايرتها لمستجدات العصر، وأن كل ما نحتاجه الآن هي الجرأة، واختتم كلمته بأننا نعيش الآن أجواء إنعدام الحوار في ما بيننا، بداية من الأسرة والمدرسة والعمل فالموجود الآن هو حوار الظهر في الظهر أو ما شابه، فإذا كان هذا على مستوى العلاقات الحتمية في المجتمع المغلق؛ فكيف لنا بحوارنا مع الآخر.
ثم تحدث فرحان صالح، في ورقته البحثية التي جاءت بعنوان «كفر شوبا – بيروت التحولات والتبدلات الريفية – المدينية»، مستشهدًا بكفر شوبا وهو إحدى القرى اللبنانية، واصفَا تلك القرية بأن الاندماج المجتمعي هو الصفة الغالبة عليها، ونجد ذلك متجليًا في عدد خريجى الجامعات بين شبابها، وأكد على أن التحولات إلى حدثت في مصر شكلت حالة من العشوائيات، والتى مارست وضعية سلبية عن المدينة، لأن المدن لم تستطع تمدين تلك العشوائيات، وأن الثقافة الدينية التي تجلت في تلك الفترة تعد أحد المنابع الأساسية للعشوائيات، واختتم حديثه مضيفًا أن تاريخ البشرية بشكل عام يبدأ من تاريخ القرى، وضرورة إيجاد روافع جديدة نبدأ بها في فصل الدين عن الدولة لأن هذا على حد وصفه هو المدخل الصحيح لإعادة قراءة جديدة لتراثنا، وخاصةً التراث الشعبى.
وعن القَصص الشعبي العربي تحدث د.مصطفى يعلى في ورقته التي حملت عنوان «القصص الشعي العربي: ائتلاف واختلاف»، حيث وصف القصص الشعبي خلالها بأنه مستودع لكنوز الشعوب بمختلف أنماطها من قصص شعبى هزلى وتراثى وخرافى ودينى.. إلخ، كما أشار يعلى إالى التحولات والمتغيرات التي طالت المنطقة العربية والتى كان هدفها تمزيق الوطن العربى؛ باستنزاف خيراته، وهو الأمر الذي جعل كل قطر يبقى منعزلًا داخل حدوده، وهذا ما حدث أيضًا للثقافات الشعبية، فنراها هي الأخرى خضعت لهذه العزلة، واختتم كلمته بأن العرب كانوا دائمًا مولعون بالحكى والحكاوى واستطاعوا على مر السنين أن يسطروا بها تاريخهم المتنوع.
أما عن التصوير الشعبي وأثره في الثقافات العربية تحدثت د.نهال النفوري، وأكدت على أهمية الرسوم الشعبية لدى الشعوب، واصفة إياها بأنها جزء لا يتجزأ من ثقافات الشعوب، حيث استطاعت أن تبقى على مر الزمان لكى تصبح ذاكرة هامة حافظت على التراث لدى الأجيال، وأضافت النفورى أن الرسوم الشعبية استوحت من القرآن الكريم والأمثال الشعبية والأغانى أفكارًا ومصادر لكى تبدع فيها؛ فنجد قصص كثيرة وأمثال شعبية تبلورت في شكل لوحات ورسومات مثل: عنترة بن شداد والزير سالم إلخ.. فهى مصدرًا هامًا لحفظ تراث الشعوب وذاكرتها، يجب أن لا يغفل إذا ذكرنا الثقافات الشعبية والموروثات الثقافية.