x

عاماً على انتفاضة 1935.. المظاهرات التى أحرجت بريطانيا

الخميس 23-12-2010 15:52 | كتب: كريمة حسن |
تصوير : اخبار


كانت البلاد قد شهدت تطورات سياسية منذ عام 1924 تخللتها انقلابات دستورية، ولعبت هذه التطورات دوراً مهماً فى الوصول بالبلاد إلى هذه الانتفاضة، وكان مسلك وزارة محمد توفيق نسيم والقصر والإنجليز، متمماً لوضع البلاد على طريقها، وفى 22 أكتوبر 1930 كانت أصعب خطوة من قبل السراى والوزارة، عندما صدر الأمر الملكى بوقف العمل بدستور 1923 وحل البرلمان بمجلسيه وإعلان دستور 1930، واستمر العمل بدستور 30 خلال عهد إسماعيل صدقى، حتى استقالته فى سبتمبر 1933، وفى نفس يوم استقالته تشكلت وزارة عبدالفتاح يحيى، ثم خلفتها فى 14 نوفمبر 1934 وزارة محمد توفيق نسيم، التى استصدرت أمراً ملكياً بإبطال العمل بدستور 1930، إلى أن يوضع نظام دستورى جديد يحل محل دستورى 1923 و1930، وبذلك فإن الوزارة رغم إقدامها على إبطال العمل بدستور 30، إلا أنها لم تعد العمل بدستور 23، وهو الأمل الذى كانت تنتظره الجماهير.


ولم يقف أمر توفيق نسيم عند حد المماطلة هو والملك فى إعادة الدستور، بل قام باستشارة المندوب السامى، حول هذه المسألة. وفى 9 نوفمبر وفى أثناء الاجتماع السنوى الذى يقيمه محافظ لندن فى قاعة (الجلد هول) بلندن، قال السير صمويل هور، وزير الخارجية البريطانى، كانت نصحيتنا ضد إعادة دستورى 23 و30 لأن الأول ظهر أنه غير صالح للعمل به، ولأن الثانى ضد رغبة الأمة بالإجماع، وكشف هذا التصريح عن أن الحكومة المصرية استشارت إنجلترا، وأن بريطانيا طلبت عدم عودة الدستوريين وهو ما يشكل تدخلاً فى شؤون البلاد.


والتهبت المشاعر بسبب هذا التصريح وزاد من لهيب المشاعر حلول ذكرى عيد الجهاد الوطنى فى 13 نوفمبر، حيث تحول الاحتفال بهذا العيد إلى مظاهرات تندد بتصريح «هور» وتنادى بسقوط الحكومة، وفى صباح ذلك اليوم خرج طلاب الجامعة وانضم إليهم طلاب المدارس فى مظاهرة هاتفين ضد «تصريح هور» وإنجلترا ومنادين بسقوط الحكومة.


وحدث صدام بين البوليس والطلاب عندما حاولوا اجتياز كوبرى عباس إلى قلب القاهرة إذ أطلق البوليس النار على الذين نجحوا فى عبور الكوبرى، منطلقين إلى بيت الأمة وميدان عابدين ومناطق القاهرة الأخرى، وفى مساء اليوم نفسه عندما احتفل الوفد بهذه المناسبة، ألقى مصطفى النحاس خطاباً هاجم فيه الوزارة، وقال إن الواجب الوطنى يحتم عليها أن تستقيل، نزولاً على خطة عدم التعاون مع الإنجليز التى دعا الوفد الأمة إليها، وبعد انتهاء الحفل حدث اعتداء من البوليس وسقط جراءه أحد الشهداء، وكان من الطبيعى أن تشتد المظاهرات فى اليوم التالى، فخرج طلبة الجامعة فى مظاهرة كبيرة وشارك معهم طلاب مدرستى التجارة المتوسطة بالجيزة والسعيدية، واجتاز المتظاهرون كوبرى عباس وبعد اجتيازه حدث صدام بينهم وبين قوة من «كونستبلات الإنجليز» سقط على إثره عدد من الجرحى منهم محمد عبدالمجيد مرسى، الطالب بكلية الزراعة، الذى توفى فى اليوم نفسه متأثراً بجراحه، ولحق به طالب الآداب محمد عبدالحكيم الجراحى، وأصدر أحمد لطفى السيد، مدير الجامعة، قراراً بإغلاقها.


وفى 16 نوفمبر انضمت مدرسة دار العلوم إلى المظاهرات، ومن مبناها بحى المنيرة انطلق طلابها وحدث صدام بينهم وبين البوليس واستشهد متأثراً بجراحه فى 17 نوفمبر الطالب على طه عفيفى، الذى شيعت جنازته وسط مظاهرة كبيرة فى اليوم نفسه، وتستمر المظاهرات بالقاهرة والجيزة وتصدر حكومة نسيم بياناً رسمياً جاء فيه: «تلفت الحكومة نظر الجمهور إلى أن المظاهرات بجميع أشكالها ممنوعة، وأن البوليس سيعمل على تفريق كل مظاهرة وكل اجتماع غير مصرح بإقامته»، وبالرغم من ذلك انتشرت المظاهرات فى اليوم التالى، وكانت الخطوة الكبيرة عندما أُعلن فى الصحف أن الطوائف المختلفة فى البلاد، أعلنت يوم 21 نوفمبر يوماً للإضراب العام.


وشاركت الأحزاب من خلال نداءاتها وبلاغاتها فى الهجوم على الوزارة وإدانتها والمطالبة بعودة الدستور، وفى 27 نوفمبر عقد الطلبة مؤتمرهم العام بأحد مدرجات كلية الطب وتليت قرارات المؤتمر، التى دعت لمقاطعة البضائع الإنجليزية وترجمة الاحتجاجات التى أصدرتها الهيئات، إلى اللغات الأجنبية وتوزيعها على المفوضيات الأجنبية وإرسالها إلى الصحف الإنجليزية، وبسبب هذا المؤتمر وقراراته أصدر مدير الجامعة قراره الثالث بإغلاق الجامعة حتى الجمعة 6 ديسمبر، وفى 7 ديسمبر أقيم النصب التذكارى لشهداء الجامعة، وكان من نتائج العنف حينها أن يلقى صمويل هور خطاباً فى البرلمان الإنجليزى يخفف فيه من تصريحه السابق، وبالرغم من ذلك استمرت المظاهرات واتسع نطاقها وهو ما كان كافياً ليقنع الأحزاب بأن تتناسى صراعاتها وأن تأتلف فيما سُمى فى تاريخ هذه المرحلة بـ«الجبهة الوطنية» التى تكونت فى 11 ديسمبر، وفى اليوم التالى أرسلت الجبهة كتابها إلى الملك مطالبة إياه بإعادة دستور 23، كما أرسلت فى اليوم نفسه رسالة إلى المندوب السامى، طالبته بأن يبلغ حكومته بأن تصرح بقبول إبرام معاهدة بينها وبين حكومة مصر الدستورية، واستجاب الملك لطلب الجبهة الوطنية وأصدر فى 12 ديسمبر أمراً ملكياً بإعادة دستور 23، وهو ما كان تتويجاً وثمرة للنضال الشعبى، ومع استمرار الضغط الشعبى أُجبرت وزارة توفيق نسيم باشا على الاستقالة.

شهداء الانتفاضة.. بطولات الطلبة والعمال


كان إسماعيل الخانع، أحد العمال الذين كانوا يعملون فى السرادق، الذى أقيم للاحتفال بعيد الجهاد فى طليعة شهداء المظاهرات، وكما تذكر مجلة المصور فى عددها بتاريخ 22 نوفمبر 1935 فقد انتهى حضرة صاحب الدولة مصطفى النحاس باشا ومكرم عبيد من إلقاء خطبتهما وغادرا السرادق، وتقدم العمال لجمع أدواتهم، وبينما كان إسماعيل يؤدى عمله تدفقت الجماهير والجنود وحاملو الهراوات والبنادق صوب السرادق فأصابت العامل رصاصتان، وحمله الجنود إلى قسم بوليس السيدة زينب، ثم نقلته الإسعاف الى قصر العينى، ومات فى اليوم التالى متأثراً بجراحه ولولا أن أخاه أصيب وانتقل معه إلى المستشفى لكان إسماعيل دفن فى مقابر الصدقة.


ثانى الشهداء محمد عبدالمجيد مرسى، وكان فى طليعة المشاركين فى المظاهرة التى سارت فى طريقها إلى الجيزة ثم كوبرى عباس، وعند منتصف الكوبرى من ناحية الجيزة انتهت مهمة البوليس، وبدأت مهمة الكونستبلات والضباط الأجانب، وبعد بضع دقائق سقط عبدالمجيد مضرجاً فى دمائه، ولكنه هتف «تحيا مصر»، وكان آخر هتاف له، وفى الليل كانت جثة الشهيد فى ثلاجة مستشفى قصر العينى، لكن البوليس أخذ الجثة وكفنها على عجل، وحملها فى سيارة حكومية لنقلها سراً إلى الإسكندرية، وهناك جرى دفنه بسرعة، دون أن يراه والداه.


الشهيد على طه عفيفى: هوت على رأسه ضربة من عصا أحد الجنود فسقط على الأرض مغشياً عليه، وحمله رجال البوليس إلى قسم السيدة زينب، ثم إلى مستشفى قصر العينى، وفاضت روحه إلى بارئها وخشى إخوانه من طلبة دار العلوم أن يتبع البوليس فى دفنه ما اتبعه من إجراءات فى دفن الشهيدين السابقين، فاحتال بعضهم حتى سرقوا الجثة من الثلاجة، وحصلوا على تعهد من مدير المستشفى وحكمدار بوليس العاصمة بالسماح لهم بتشييع جنازة الشهيد، وتمت إجراءات الجنازة من مستشفى قصر العينى، واشترك فى تشييعها ألوف من الطلبة والأهالى من جميع الطبقات.


عبدالحكم الجراحى: يذكر أنه التحق بكلية الآداب فى العام نفسه، وكان قبل ذلك بجامعة جرينوبل بفرنسا، حيث يقيم بعض أقربائه ولكنه فضل الدراسة فى الجامعة المصرية، بسبب حبه لمصر، وكانت إصابته خطيرة، ولفظ أنفاسه الأخيرة مردداً (أنا محمد عبدالحكم الجراحى، أنا المصرى الذى يستقبل الموت باسماً، أنا الشجاع الذى لبيت نداء الوطن، أنا محمد عبدالحكم الجراحى، أنا محمد عبدال...).


ومن جرحى المظاهرات محمود عبدالله مكى، طالب الآداب، وقد شوهد ويعانى آلاماً شديدة ويصيح أموت وتحيا مصر، وإبراهيم شكرى هو نجل محمود شكرى باشا، مدير بنك التسليف الزراعى، وأصيب برصاصة فى فخذه وظل يردد بصوت مرتفع (تحيا مصر حرة دائماً).


جريدة «الجهاد».. صرح الوطنية ومعقل طلاب الجامعة


ساندت جريدة الجهاد لصاحبها توفيق دياب انتفاضة 1935، وقد بدا هذا واضحاً من استقبال الجريدة الدائم لوفود الطلاب، وفى عددها الصادر بتاريخ 4 ديسمبر من العام نفسه وتحت عنوان عاطفة شريفة نحو أسرة الشهيد طه عفيفى كتبت تقول: حضر إلى دار الجهاد وفد من طلبة مدرسة النيل الثانوية وأبلغونا بأن طلبة المدرسة اكتتبوا بمبلغ ثمانية، جنيهات لمساعدة أسرة الشهيد طه عفيفى فقيد دار العلوم وطلبوا منا أن يرافقهم رسول من «الجهاد» إلى دار أسرة الشهيد ليسلموا إليها المبلغ بحضوره، وفى عددها الصادر بتاريخ 11 ديسمبر نشرت الصحيفة صورة لفريق كبير من الطلبة المتظاهرين يحيون جريدة الجهاد وصاحبها، وبتاريخ 15 ديسمبر كتبت الصحيفة عن تدفق الجماهير إلى المظاهرات من أنحاء القاهرة إلى بيت الأمة وهم يهتفون بحياة مصر والوفد ثم حضورهم إلى جريدة الجهاد وترديد الهتافات باسمها واسم صاحبها وتحت عنوان »التبرعات الى أسرة شهيد طنطا« كتبت الجريدة فى عددها الصادر بتاريخ 28 ديسمبر عن إرسال بعض طلبة المحمودية أربعة جنيهات إلى جريدة الجهاد كإعانة لأسرة الشهيد، ومن المعروف أن الرئيس جمال عبدالناصر قاد مظاهرة من تلاميذ المدارس الثانوية أثناء الانتفاضة، واجهتها قوة من البوليس الإنجليزى، فأصيب بجرح فى جبينه وأسرع به زملاؤه إلى دار جريدة »الجهاد« التى تصادف وقوع الحادث إلى جوارها ونشر اسمه فى العدد الذى صدر صباح اليوم التالى بين أسماء الجرحى. وفى تلا بمديرية المنوفية اجتمع لفيف من الأهالى وأصدروا بياناً أعلنوا تجديد الثقة فى الوفد ورئيسه وشكر جريدتى »الكوكب« و»الجهاد« على ما تبذلانه من جهد فى سبيل مجد الوطن.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية