x

د. ياسر عبد العزيز لماذا تُصدّر السويد إرهابيين؟! د. ياسر عبد العزيز السبت 08-10-2016 21:30


لا يوجد خطأ فى عنوان المقال، إذ بات السؤال مطروحاً بالفعل عن أسباب تحول السويد إلى مركز لتجنيد الجهاديين، أو على الأقل، هذا ما ورد فى تقرير بثته هيئة الإذاعة البريطانية (بى. بى. سى) قبل يومين.

يقول تقرير «بى. بى. سى» المشار إليه، إن «نحو 300 شخص توجهوا من السويد إلى الأراضى التى يسيطر عليها تنظيم (داعش) فى العراق وسوريا، للانخراط فى صفوف المقاتلين»، وهو أمر سيزعج الكثيرين ممن اعتادوا على استعراض نمط آخر من الأخبار عن هذا البلد الذى يقع فى شمال القارة العجوز.

تعرف السويد واحداً من أعلى مستويات المعيشة فى العالم، ويوفر نظامها حزماً وافية من التقديمات والضمانات الاجتماعية للمواطنين والمقيمين، كما أنها تتمتع بنظام ديمقراطى راسخ ومستقر، وتحظى بمعدلات نمو مرتفعة ومستقرة، ولا تنخرط فى صراعات عنيفة.

لا تمثل السويد حالة فريدة بين غيرها من الدول الأوروبية التى باتت ملاذاً لبعض المتطرفين أو مُصدّراً لهم، لكن الجهود التى بذلتها لاستيعاب المهاجرين وتوفير فرص العيش الكريم لهم، تجعل الأمر مثيراً للحيرة، وتدفع إلى الواجهة بكثير من الأسئلة.

من بين المعلومات المتوافرة من مصادر عديدة متطابقة أن عدد الغربيين (أو حاملى جوازات السفر الغربية) المنضمين إلى «داعش» والمقاتلين فى صفوفه فى سوريا والعراق، يُراوح ما بين 2000 إلى 3000 مقاتل.

فقد قدّر تقييم مقدم للجنة الأمن الوطنى فى «الكونجرس» الأمريكى، فى شهر فبراير 2015، عدد المقاتلين الأجانب فى صفوف «داعش» فى سوريا والعراق، بنحو 20 ألف مقاتل، ثلاثة آلاف منهم من الغربيين، بينهم نحو 200 أمريكى.

ونقلت صحيفة «إندبندنت» عن أندرو باركر، رئيس الاستخبارات البريطانية، أن أكثر من 300 بريطانى انضموا إلى «الجبهات الإسلامية المختلفة» المحاربة فى سوريا والعراق.

أما السلطات البلجيكية فتعتقد أن نحو 500 بلجيكى سافروا إلى سوريا لينضموا إلى الجبهات الإسلامية المقاتلة هناك، وهو رقم يثير المخاوف بالنظر إلى أن عدد سكان بلجيكا لا يتجاوز 11 مليوناً.

وسبق أن أعلنت السلطات الألمانية أن عدد المقاتلين الألمان فى صفوف الجبهات الإسلامية المقاتلة فى الأراضى السورية والعراقية فى حدود 800 من إجمالى 81 مليون نسمة، هم عدد سكان البلاد.

يعنى هذا أن السويد لا تعانى وحدها فى هذا الإطار، لكن السؤال عن الأسباب التى دعت هؤلاء إلى ترك البلدان المتقدمة والديمقراطية والآمنة التى يعيشون فيها ليذهبوا إلى الشرق الأوسط المتشظى والملتهب، يبدو أكثر إلحاحاً من أى وقت.

لقد عكفت مراكز بحوث وجامعات غربية كبرى على دراسة الأسباب التى دعت مواطنين غربيين أو لاجئين ومقيمين فى دول أوروبية إلى السفر إلى أراضى «داعش» والالتحاق بصفوفها، والانخراط فى عمليات إرهابية.

وتوافقت نتائج معظم الدراسات التى تناولت هذا الموضوع على عدد من الأسباب التى حملت هؤلاء إلى مغادرة القرن الـ21، والعودة إلى الوراء قروناً عدة، والمغامرة بفقدان الجنسية، أو فرصة الاستقرار فى أوروبا، والأهم من ذلك بالطبع.. المغامرة بالحياة نفسها.

من بين تلك الأسباب أن أكثر من نصف هؤلاء الملتحقين بصفوف الإرهاب من أبناء المهاجرين الذين أتوا من الشرق الأوسط أو بلدان إسلامية أخرى فى آسيا وأفريقيا وأقاموا فى أوروبا، من دون أن يتمكنوا من الاندماج فى مجتمعاتهم الجديدة.

يعانى قطاع من هؤلاء «العائدين إلى الشرق الأوسط» من أزمات مالية، بمعنى أنهم يجدون أنفسهم فى وضع مالى لا يسمح لهم بمجاراة أقرانهم من السكان الأصليين.

لا يمكن القول إن هناك عمليات اضطهاد أو تمييز منهجية تقع بحق هؤلاء من جانب مواطنيهم من سكان البلاد الأصليين، لكن يبدو من الصعب تجاهل زيادة معدل الكراهية إزاءهم، بعد توالى الأحداث الإرهابية التى ضربت أكثر من بلد غربى فى السنوات الأخيرة.

إن تلك الأسباب يمكن أن تعزز قرار أحد هؤلاء الشبان المأزومين بالسفر إلى الشرق الأوسط والالتحاق بـ«داعش»، لكن هذا الأمر لن يتم إلا من خلال سند أيديولوجى قوى، يجعل هذا الشاب أو تلك الشابة، مقتنعين تماماً بأن ما يفعلانه سيقودهما إلى «الجنة»، ويأخذهما إلى تحقيق الذات والشعور بالاعتداد.

كيف وصلت هذه الأفكار إلى السويد وغيرها من دول أوروبا؟ ومَنْ نقلها، وألحّ عليها، وأقنع بها؟

هذا ما سنحاول الإجابة عنه فى مقال لاحق.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية