الحديث معه له طابع خاص.. دائماً ما تجد عنده الجديد، فهو بمثابة «خزينة متحركة» من المعلومات والخبرات غير المحدودة. ظل طوال حياته العسكرية والمدنية- ولايزال- «مرتباً» فى فكره، وتنفيذه لما هو مخطط له فى وقت قياسى.
ذاق مرارة الهزيمة وحلاوة النصر مقاتلاً ومخططاً للعمليات فى حرب أكتوبر. كان شاهداً على أمجد لحظات التاريخ المصرى برموزه وأحداثه. لديه قدرة هائلة على إدارة الوقت أهلته لأن يكون مقاتلاً من طراز فريد. هذه القدرة مكنته من الالتحاق بكلية «كمبرلى» العسكرية البريطانية، ليتصادف بعدها أن يكون الضابط المصرى المناظر لواحد من أهم العسكريين الإسرائيليين «أرييل شارون» فى المناظرة الفريدة من نوعها حول «الثغرة» على شاشة الـ «BBC» عقب حرب أكتوبر المجيدة.
د. سمير فرج، المدير الأسبق لإدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة، وأول محافظ للأقصر، يتحدث فى حوار خاص لـ«المصرى اليوم» عن الأزمات التى يشهدها الإعلام المصرى الآن، خاصة بعد الأزمة الأخيرة فى قطاع الأخبار بـ«ماسبيرو».. ورؤيته لعلاج هذه الأزمات.
فرضت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الولايات المتحدة، لإلقاء كلمته أمام الدورة 71 للجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك، نفسها على بداية لقائى به.. ومن هذه النقطة بدأ الحوار:
■ سألته: ماهو تقييمك الشخصى لنتائج زيارة الرئيس السيسى إلى نيويورك.. من حيث حجم اللقاءات والشخصيات المؤثرة فى السياسة العالمية؟
- ترتيب الزيارة بهذا الشكل كان ترتيباً «قدرياً»، بمعنى أن مصر تعرضت قبل شهر من بدء الزيارة إلى «هجمة شرسة» منظمة وممنهجة على المستوى العالمى.
■ ما أخطر ملامح هذه الهجمة؟
- أخطرها فى رأيى التقارير التى نشرتها مجلة «الإيكونوميست» مؤخراً عن مصر، إضافة إلى تقرير «بلومبرج». بقية الملامح كانت معروفة مستقبلاً، إنما فى تقارير «الإيكونوميست» الوضع يختلف، فهى أكبر مجلة اقتصادية تصدر من لندن، وطبيعى أن يكون محور حديثها فى القضايا الاقتصادية، ولكن اللافت للنظر كان تحولها إلى قضايا سياسية!.. هذا الأمر كان غير طبيعى، الحديث عن أن الرئيس لابد ألا يكمل مدته الرئاسية، وأن الجيش المصرى عليه ألا يحصل على أسلحة متطورة من الدول الغربية.
■ ما علاقة مجلة اقتصادية بكل هذه القضايا؟
- سؤال طبيعى ومنطقى. فليس من شأنها التطرق إلى قضايا سياسية. وعقب نشر تقارير المجلة رجعت فوراً إلى رؤيتها لأزمات اقتصادية مشابهة، وفحصت موقفها من الأزمة المالية الحديثة باليونان، عندما أوشكت على إعلان إفلاسها، ووجدت أنها لم تنشر شيئاً متعلقاً بالسياسة، ولكنها قدمت «روشتة» لليونان لعلاج أزمتها الاقتصادية. إذن العملية فى حالة مصر «متعمدة» ومخطط لها، وتكررت مع وسائل إعلام غربية مما يشير إلى وجود مخطط وراء ذلك. ومن هنا جاءت أهمية الزيارة لتؤكد قوة مصر وسعيها لأداء دورها بشقيه الوطنى والإقليمى، وعودتها إلى مكانتها الطبيعية من حيث نوعية اللقاءات والاجتماعات ومحاور المناقشات.
■ سياسيون قالوا إن الرئيس السيسى قدم نفسه كـ«قائد للمنطقة».. وآخرون وصفوها بأنها «قفزة للأمام».. ورغم ذلك كانت هناك انتقادات من «الحشد» الجماهيرى لاستقبال الرئيس، خاصة فى أوساط أقباط المهجر والوفد المرافق من نواب وإعلاميين.. كيف تقرأ ذلك المشهد؟
- من ناحية تقديمه لنفسه كقائد للمنطقة فهذه حقيقة، فقد عادت مصر لتتبوأ مكانتها الطبيعية فى قيادة المنطقة. اليوم الدول العربية فى حاجة إلى مصر، ومصر فى حاجة إليها. وينطبق ذلك على العمق الإفريقى، ويتضح ذلك أيضاً من تركيز الرئيس على أفريقيا وتخصيص جزء من كلمته لها. أما الحديث عن «الحشد» فى الوفد الشعبى، فأنا على المستوى الشخصى لا أفضل هذا الأسلوب، ولكن الظروف اقتضت ذلك.
■ كيف؟
- كانت هناك ضرورة.. فالجماعة الإرهابية كانت تعد لوقفات مضادة لمصر ورئيسها. أما ردود الأفعال من جانب أقباط المهجر، فهذا أمر طبيعى بعد المكتسبات التى تحققت على أرض الواقع للأقباط عموماً، وربما آخرها «قانون بناء الكنائس».. وتصرفهم هنا هو إعراب عن السعادة والفرحة ليس أكثر.. والزيارة كمجمل «ناجحة» ومفيدة لمصر لأبعد الحدود.
■ بين لقاء مرشحى الرئاسة الأمريكية «دونالد ترامب» و«هيلارى كلينتون» وما يحمله من أهداف لكليهما.. كيف ترى مستقبل العلاقات المصرية- الأمريكية مع القادم الجديد للبيت الأبيض.. وهل مازالت «30 يونيو» وتوابعها تؤثر على هذه العلاقات؟
- العلاقات شهدت بعض التوتر خلال الفترة الماضية. وبدأت تتقلص فى معظم الدوائر الأمريكية باستثناء «البيت الأبيض»، وشخص الرئيس أوباما.. فنحن لدينا علاقات جيدة مع «الكونجرس» و«البنتاجون» والـ«CIA» ودوائر صناعة القرار الأمريكى.
■ لماذا التوتر مع شخص «أوباما» تحديداً؟
- لاعتبارات كثيرة لا يمكن أن نتحدث فيها الآن. إنما باختصار هى علاقة لا تتسم بـ«الود». ولذلك كان لقاء «ترامب» و«هيلارى» مهماً للغاية.
■ لماذا؟
- العلاقة الفردية المباشرة- بمعنى اللقاء المباشر وجهاً لوجه- هى فرصة رائعة فى الحديث، وتؤتى ثماراً أكبر من اللقاءات التى تضم أعضاء الوفدين، التى يكون فيها كل فرد حريصاً فى حديثه. وأعتقد أن الرئيس السيسى حدد لكلا المرشحين وجهة النظر المصرية من السياسة الأمريكية، وما «يضايق» القاهرة فى هذه السياسة.. وكلا المرشحين استمع بجدية للملاحظات المصرية.
■ هذا من الجانب الأمريكى.. من الجانب المصرى هل نجحنا فى تغيير وجهة النظر الغربية عموماً تجاه مصر بعد ثورة 30 يونيو؟
- إلى حد كبير.. ولكن المؤامرات لا تتوقف، وربما أصبح اللعب «على المكشوف» ودون وكالة عن أحد، وهو ما ظهر جلياً فى كلمة أمير قطر. فقد خانه الحظ، وظهرت مواقفه المعارضة لمصر فى كلمته.. وأصبح واضحاً بما لا يدع مجالاً للشك أن قطر تمول الحرب الإعلامية على مصر دولياً.. إنما الصورة تم تصحيحها بشكل كبير.
■ دائماً ما تحاول جماعة الإخوان الإرهابية عرقلة الخطى المصرية مستهدفة شخص الرئيس منذ 30 يونيو وحتى الآن.. كيف ترى مستقبل هذه الجماعة الآثمة وسط دعوات «المصالحة» التى يتم إطلاقها بين حين وآخر؟
- فى الحديث عن «المصالحة» لابد أن نفرق بين «الإخوانى» الذى يعيش بيننا مسالماً وهو مقتنع بفكر الإخوان وليست لديه نوايا سيئة ضد مصر.. و«إخوانى» آخر يناصب مصر العداء ويسعى إلى تغيير نظام الحكم بالقوة واعتماد الإرهاب كأسلوب ومسلك، وهؤلاء لا يمكن المصالحة معهم بأى حال من الأحوال. وهنا لابد وأن نقرأ التاريخ جيداً، والحكمة هنا فى أنه لم تستطع أى جماعة مسلحة أو ميليشيات الانتصار على جيش نظامى.. النصر دائما يكون حليفاً للجيش النظامى. فأثناء دراستى فى إنجلترا كان هناك «ثوار أيرالندا» وكانوا مسلحين.. وبالرغم من استمرارهم طيلة 7 سنوات.. إلا أن القضاء عليهم كان النهاية الحتمية.. المسألة مسألة وقت.. الإرهاب سينتهى من مصر، فهو محصور الآن فى رقعة لا تتعدى 15 كيلومتراً مربعاً.
■ ماذا عن مستقبل الجماعة؟
- الجماعة لن يكون لها مستقبل فى العملية السياسية أو غيرها.. الإخوان قضوا على أنفسهم خلال فترة حكم مرسى. لو أدركوا أنهم غير مستعدين للحكم كانت الأمور قد تغيرت. لو أنهم فعلوا ذلك وتعاونوا مع مختلف المحيطين.. إنما سارعوا فى خطوات «الأخونة» ودفعوا برجالهم غير المؤهلين إلى كل مكان.
■ بما لك من خبرات كبيرة فى رسم السياسات الإعلامية.. وقيادتك لإعلام القوات المسلحة فى فترات مهمة.. كيف ترصد نجاح «اللجان الإلكترونية» على شبكة الإنترنت فى إثارة البلبلة وإدارة حملات التشكيك وبث السموم بين المصريين؟
- «وسائل التواصل الاجتماعى»، واستخدامها بتلك الصورة، كانت ضيفاً جديداً خلال ثورة 25 يناير، ومصر لم تكن مؤهلة أو مستعدة لاستقبال هذا الضيف، بعكس دول كالصين مثلاً. فعند دخول «الإنترنت» إليها «سيطرت» عليه منذ البداية ووضعت الضوابط المناسبة لمجتمعها، بينما عند دخول «الإعلام الإلكترونى» إلى مصر لم تكن هناك ضوابط لتنظيمه. وللأسف أصبح أسلوباً لشرائح عديدة فى المجتمع وأهمها الشباب الذين خضعوا لأساليب ممنهجة فى ترويج الشائعات.
■ والحل؟
- لا توجد هيئة تابعة للدولة تتابع هذا النوع من الإعلام. وبالتالى فإن عودة وزارة الإعلام أصبحت مطلباً ضرورياً.. لابد أن ننسى النهج السابق فى إدارة وزارة الإعلام، فليس ذلك الشكل الذى نتوقعه لوزارة الإعلام.. فنحن بحاجة إلى وزارة تضع استراتيجية عامة للإعلام فى مصر، وأن يكون وزيرها لديه الكفاءة لذلك وألا يكون وزير «ماسبيرو».. فاتحاد الإذاعة والتليفزيون هو جهة إعلامية واحدة من بين عدة جهات. وهذا الأمر لا يتوقف على الداخل فقط وإنما الخارج أيضاً. فنحن ليس لدينا إعلام خارج مصر!
■ ربما كان ذلك هو سبب الأزمة عقب ثورة «30 يونيو».
- بكل تأكيد.. هناك أزمة فى التحدث مع الإعلام الخارجى، سواء من سفراء أو متحدثين إعلاميين مع غياب كامل لدور الهيئة العامة للاستعلامات. وهنا الرئاسة ليست مطالبة بإدارة كل ذلك. الرئاسة تدير وتفكر «استراتيجياً» فقط، وعلى بقية الجهات أن تقوم بدورها التنفيذى وتقتحم المشكلات وتطرح الحلول والبدائل.. لابد أن يكون هناك «تنظيم ومنع للانفلات الإعلامى».
■ ماذا يعنى مفهوم «التنظيم» هنا.. ربما يفسرها البعض بالقمع أو الحجب؟
- «التنظيم» لا يعنى إطلاقاً القمع أو المصادرة أو الحجب، أو أن أمنع كاتباً من الكتابة بحرية.. ولكن يعنى وضع ضوابط للسياسة الإعلامية لحماية المجتمع، وهنا نحن نستهدف حماية المجتمع أخلاقياً من حملات التشهير مثلاً والتناول غير المنضبط عموماً.. والحماية تمتد إلى الإعلاميين أنفسهم «مهنياً»، بمعنى أن يكون التحرك الإعلامى وفقاً لمواثيق الشرف المهنية، وليس تحركاً وفقاً للأهواء الشخصية.
■ نعود مرة أخرى إلى حديث الرئيس السيسى إلى شبكة PBS الأمريكية، الذى كانت له ردود أفعال كبيرة داخل وخارج مصر.. لعل أبرزها «أزمة ماسبيرو» وإذاعة حوار قديم للرئيس.. هناك رأيان، فريق يرى ضرورة «تطهير ماسبيرو».. وفريق آخر يطالب بعدم التعجل و«هيكلته» وفق قواعد ومتطلبات محددة.
- من مختلف الزوايا والأبعاد.. يجب إعادة «هيكلة ماسبيرو».. «مش معقول مبنى إعلامى يضم 40 ألفاً من العاملين» هذا الكلام ليس موجوداً فى العالم.. وهناك جانب آخر متعلق بالمهنية.. ما الذى يقدمه هذا المبنى من رؤية إعلامية؟ وما رؤيته الاستراتيجية المستقبلية؟.. هل نحتاج إلى كل هذا الكم من القنوات؟ هل المصريون يتابعون «إعلام ماسبيرو»؟ كلها أسئلة مشروعة وتحتاج إلى إجابات منطقية بعيداً عن العاطفة.. «مش كل واحد عايز يعمل حاجة يتصرف بمزاجه»!.. هذا إعلام دولة لا نطالبه بـ«التطبيل» أو«الهجوم».. ولكن بـ«الانضباط».
■ ما ملامح «الهيكلة»؟
- لا توجد ملامح حتى الآن.. ولكن كلها أطروحات.. هناك شركات ومكاتب عالمية متخصصة فى هذا الشأن.
■ متى يتم ذلك؟
- من المفترض أن يبدأ فوراً وفق خطة متكاملة.. والفكرة أيضاً ستتطرق إلى المؤسسات الصحفية القومية التابعة للدولة.
■ كيف؟
- ربما يعتقد البعض أننا نستهدف ماسبيرو.. المطلوب إعادة النظر فى إعلام الدولة بالكامل بما فيها المؤسسات الصحفية.. لأن كل ذلك من أموال الشعب.. ولابد من إعادة النظر فى كل إصدار صحفى ومدى جدواه المالية والمهنية مع مراعاة حقوق العاملين بالطبع.. وهذه الأمور كان يجب أن تتم بعد ثورة يناير.. ولكن تأخرت.
■ هل ذلك سيكون خاضعاً لحوار مجتمعى ومهنى «تخصصى».. أم أن هناك رؤية معدة مسبقاً؟
- ليس هناك أى رؤية مسبقة أو إطار معد للتنفيذ.. كل ذلك- كما قلت- سيكون مهنياً بالاستعانة بمختلف الخبرات المهنية.. وهذا الأمر فى النهاية سيخضع لموافقة مجلس النواب.
■ شدد الرئيس فى حديثه للشبكة الأمريكية على أن مصر «لا تشهد ديكتاتورية».. و«أننا ملتزمون بسيادة القانون ونوازن بين الأمن والاستقرار».. بخبرتك الطويلة ومعاصرتك لأنظمة حكم مختلفة فى مصر.. هل يمكن أن تعود مصر إلى أى شكل من أشكال «الديكتاتورية»؟
- «اللى يقولك مصر فيها ديكتاتورية الآن.. يبقى متطرف فى رأيه».. لديك دستور تم إعداده بشفافية.. وانتخابات رئاسة.. وأخيراً انتخابات مجلس النواب.. شهد لها العالم بالنزاهة.. والدستور منح المجلس صلاحيات لم تكن ممنوحة له من قبل.. الدولة حينما تريد تغيير وزير لابد وأن تعود إلى مجلس النواب.. أين هى «الديكتاتورية»؟
■ تحدث الرئيس عن الإعلام بتأكيده على أنه «لا قيود على الإعلام».. كيف ترى مستقبل الإعلام فى مصر بعد أزمتى «نقابة الصحفيين» و«ماسبيرو».. خاصة فيما يتعلق بحرية تداول المعلومات؟
- الإعلام فى مصر الآن «مالوش رابط» بما فيه حرية تداول المعلومات.. وسط هذا التنوع الإعلامى والحصار من كل جهة لا يمكن وقف المعلومة.. ولكن عند التداول علينا أن نفرق بين ما هو إيجابى وما هو سلبى.. ما سيفيد أولاً.. ثم نحاول تنظيم ما سيضر.. قل لى ماذا سيفيد خبر عن عبور حاملة طائرات لقناة السويس مثلاً؟.. أنا لست ضد النشر.. أنا مع النشر، ولكن عقب عبورها، لأننا بالنشر قد نوفر المعلومة لأشخاص يستهدفون القيام بعمل إرهابى ضدها. ولدينا خير مثال فى خطأ حادث سيناء عندما جرى الجميع وراء خبر بثته فضائية أجنبية.. وأحدث بلبلة فى الشارع.. وبعد ذلك اتضح أن كل هذه الأرقام كاذبة!
■ كخبير إعلامى.. عالمياً هناك نظرية اسمها «الدقيقة السادسة».. بمعنى أنك كمسؤول لديك «5» دقائق فقط لتعلن عن الحادث أو الواقعة وموقفك تجاهها.. وإن لم تعلن ستترك المجال أمام الشائعات اعتباراً من الدقيقة التالية.. كيف تقرأ وترصد ذلك؟
- هذه حقيقة.. لا أحد ينكر أن هناك تأخراً بعض الشىء فى الإعلان.. والسبب الرئيسى أنه لا توجد جهة إعلامية تتعامل معها مباشرة، وهذا سيقودنا إلى الحديث مرة أخرى عن وزارة الإعلام، لأنه فى حال تواجدها سيكون لها مكاتبها ومراكزها الإعلامية القادرة على التعامل مع الحدث، بدلاً من ترك المتلقى فريسة للشائعات وأحاديث من قد يسمون أنفسهم «شهود العيان».. بالتأكيد الأمر سيختلف تماماً مع التقدم التكنولوجى.. فدائماً «الشفافية» مطلوبة من خلال منظومة لإدارة الإعلام وليس السيطرة عليه.
■ على مدى عقود طويلة استطاعت جماعة الإخوان أن «تزرع» خلاياها فى أجهزة الدولة، ومنها الثقافة والإعلام على وجه التحديد.. كيف يمكن للدولة محاصرة هذه الخلايا وتعقبها وشل حركتها؟
- أعتقد أن كل هذه الخلايا معلومة.. لأنه ببساطة حينما وصل مرسى للحكم أصبحت كل الخلايا النائمة «يقظة»، ومعلومة للجميع.. وهناك أكثر من طريقة لتعقبها.. منها أن تكون هناك متابعة دورية لأنشطتها، واختيار الشخصيات المناسبة لقيادة الاماكن الحساسة.. فمن غير المعقول أن يتولى «إخوانى» أو «متعاطف مع الجماعة» قيادة منظومات ثقافية مثل هيئة الكتاب مثلاً أو الهيئة العامة لقصور الثقافة.. بالـتأكيد النتائج ستكون كارثية.
■ سؤال يتردد فى الشارع دائماً.. ويتعلق بهذه النقطة.. هل طالت «الأخونة» القوات المسلحة.. أو بمعنى مباشر.. هل تم رصد «خلايا نائمة» داخل الجيش؟
- قول واحد وحاسم- وأنا أعلم تماماً ما أقوله- لا خلايا نائمة أو تنظيمات أو أفرادا متعاطفين مع جماعة الإخوان المسلمين داخل القوات المسلحة.. لأنها تمتلك نظماً وإجراءات تجعلها تكتشف ذلك مبكراً.
■ سعت جماعة الإخوان على مدى تاريخها إلى تكوين «جيش مواز» للجيش الوطنى.. وربما كان ذلك هو محور الخلاف مع الجيش المصرى من 1954 وحتى أعقاب ثورة 25 يناير.. ولكن لاتزال هناك بعض النقاط الغامضة، منها سعيها إلى اختيار وزير دفاع آخر بدلا من الفريق عبدالفتاح السيسى أثناء حكمها.. بحكم قربك من صناعة القرار فى ذلك التوقيت.. ما هى شهادتك؟
- هذه هى سياسة الإخوان المسلمين فى كل العصور ولم ولن تتغير. فعندما جاء الخمينى إلى حكم إيران أسس «الحرس الثورى» وكان من أعظم أخطائه. واليوم يسعى «أردوغان» إلى تأسيس جيش ثورى إسلامى فى تركيا. وهذا ما كانت تسعى إليه «الجماعة» فى مصر.. بأن تعظم من قوة «الميليشيات» وتحاول إضعاف الجيش المصرى. وفى هذا الإطار كان هناك اتجاه داخل الجماعة لاختيار أحد اللواءات ليكون وزيراً للدفاع بدلاً من الفريق السيسى. وبالتالى هى لديها «نوايا مبيتة» واستعداد لأى إجراء عدائى ضد الجيش.. وقد قضت ثورة 30 يونيو على كل هذه المخططات.
■ العلاقة بين مصر وإسرائيل كانت محوراً مهماً فى حديث الرئيس، خاصة تأكيده أننا تخطينا مرحلة «عدم الأمن والأمان» والمنطقة تحتاج إلى «وجبة جديدة» للسلام بعد «هضم» المعاهدة التى أبرمت قبل أكثر من 35 عاماً.. بخبرتك فى العلاقات المصرية- الإسرائيلية كيف ترى المذاق الجديد لهذه «الوجبة»؟
- التفات الرئيس إلى القضية الفلسطينية هى نظرة بعيدة المدى. لأن الإرهاب سينتهى اليوم أو غداً. وحديثه إلى الشعب الإسرائيلى كان مهماً.. لأن السلام ضرورة استراتيجية، ومصر صاحبة التجربة الحقيقية فى هذا السلام، ولا يجوز لأى دولة التحدث فى هذا الشأن بدلاً من مصر. وبالتالى أمام «نتنياهو» والشعب الإسرائيلى فرصة ذهبية، وعليهما اقتناصها للوصول إلى حل الدولتين.
■ تحدث الرئيس عن أن خروج الشعب المصرى فى 25 يناير كان رغبة فى التغيير، وخروجه فى 30 يونيو كان لتصحيح المسار.. وهذه حقيقة.. ولكن هناك بعض من «النخبة» يروجون إلى «ثورة جياع» يمكن أن تشهدها مصر مستقبلاً.. كيف تنظر إلى هذا الطرح وهذه المزاعم؟
- هذا الكلام غير منطقى.. «ثورة الجياع» ستقضى على ما تبقى من مصر.. الذين يطلقون مثل هذه الدعاوى «محرضون»، وهى لا تمس الواقع فى شىء، لأنه ببساطة إذا اندلعت «ثورة جياع» سيكتوى «الجياع» أنفسهم بها.. ولكن يمكن أن تكون هناك «إثارة للجماهير» من جهة أو أخرى.. ورسالة الرئيس فى الإسكندرية كانت واضحة فى هذا الشأن.
■ على المستوى الشخصى لست مؤمنا بـ«نظرية المؤامرة» أو طرحها فى كل مناسبة.. ولكن من المؤكد أن مصر لاتزال تتعرض لمؤامرة حقيقية.. كيف تراها بعد الانقلاب التركى.. وحديث أمير قطر أمام الأمم المتحدة؟
- دون الخوض فى تفاصيل.. المؤامرة ضد مصر حقيقية وهدفها إسقاط الدولة، وذلك لن يتحقق لمدبريها إلا عن طريق «إسقاط الجيش».. ولو سقط الجيش المصرى ستسقط مصر.. وانظروا إلى التاريخ.. ففى الوقت الذى كانت فيه مصر قوية كان جيشها قوياً.. والعكس فى لحظات الضعف. ولذلك فأى متابع لا يمكن أن ينكر أن هناك مؤامرة.. كل الشواهد والتدخلات الخارجية فى الشأن المصرى الداخلى.. كل ذلك يشير إلى حجم المؤامرة.. عندما تقاتل أمريكا داعش فى العراق وسوريا ولا تلتفت إلى ليبيا.. أليست مؤامرة؟!
■ كيف ترى المشهد الليبى؟
- ليبيا تمثل مصدر الخطر الرئيسى على مصر الآن. ففى الستينيات أدركت أمريكا خطر وصول كاسترو إلى الحكم وتعاونه مع السوفيت، خاصة فيما يتعلق بأنظمة الصواريخ النووية. وهنا كان أمنها القومى هو صاحب الأولوية. وهذا الموقف هو قريب إلى حد ما بما يحدث فى ليبيا. فحدودنا معها بطول 1222 كيلو، ولم نتعرض لأى تهديد منها. إنما اليوم الوضع مختلف تماماً، فنحن أمام أكبر تجمع للمتطرفين عالمياً، وأخطر مخازن للسلاح.. ولكن مصر وضعت سياسة محددة تهدف للاستقرار.. وهى لن تسمح بأى محاولات من شأنها تهديد أمنها القومى.
■ هل هناك احتمال للتدخل العسكرى؟
- هذا الكلام غير وارد الآن.. ولكن إذا حدث أى تهديد مباشر سيتم التدخل فوراً.. وهذا حق أصيل لمصر.. كما حدث من قبل عقب ذبح المصريين على يد متطرفى داعش.