مع فجر كل يوم، تستيقظ رضاء محمد، ابنة الثلاثين عامًا، تعيش بقرية الورق التابعة لمركز سيدى سالم، بمحافظة كفرالشيخ، لإنجاز أعمالها المنزلية ورعاية أطفالها، وبعد أن تنتهى من طهو الغداء وتنظيف منزلها، تحمل وجبة الغداء لها ولزوجها وترحل فى أول عربة عمال تراحيل متجهة إلى زراعات القطن للعمل فى جمعه مقابل ٤٠ جنيها فى اليوم، هو قوتها الذى تنذره لرعاية أطفالها، وهو أيضا نفس الرقم الذى يحصل عليه زوجها من نفس العمل، تجمع المحصول فى صمت دون أن تدندن بالأغنية الشهيرة «نورت يا قطن النيل».
تقف رضاء وسط زراعات القطن وفوق رأسها غطاء يحميها من قسوة حرارة الشمس، لكنه لا يمنع تصبب العرق على جنبيها، ولا يحمى فى الوقت نفسه بشرتها من الاسمرار الذى يزيد يوما بعد يوم مع ارتفاع درجات الحرارة وقسوة الشمس. باختصار رضاء اسم على مسمى، هى نصف ضحكة وبقايا حكايات مكررة من «حكاوى» عمال التراحيل الذين يوجعهم الفقر والحاجة.
توكد رضاء الفلاحة البسيطة، لـ«المصرى اليوم»، أنها منذ كانت طفلة وهى تعمل فى جمع القطن، وعندما ينتهى موسمه تبدأ فى جنى محصول آخر سواء البنجر أو الأرز، لكن القطن هو أكثر المحاصيل التى تعمل بها، حيث ورثت عملها عن والدتها التى اشتغلت فى جمعه مقابل أجرة يومية لم تكن تكف قوت اليوم، فى ظل غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار.
وتضيف رضاء: «أعمل منذ أكثر من ١٥ عاما فى هذه المهنة، حياتى كلها شقاء، والمرأة الريفية تختلف عن المرأة فى المدينة، إحنا أكثر صبرا وتحملًا، كل يوم يشبه الذى يسبقه، أقوم مع ضوء الفجر وأرتب منزلى وأحضر طعام اليوم لى ولزوجى ولبناتى، أتركهن لوالدتى لرعايتهن، وأخرج على باب الله».
وتكمل: «نعمل طوال اليوم من السابعة صباحًا حتى أذان المغرب، مقابل ٤٠ جنيها، وهناك من يأخذ ٥٠ جنيها فى اليوم، حيث آتى حاملة طعامى، ثم أنزل الأرض ممسكة بالحزية، وبعد أن تمتلئ أفرغها على حصيرة لجمع القطن حتى يتم تعبئتها فى
أكياس القطن».
وتصف رضاء حياتها بالصعبة قائلة: «حياتى صعبة أنا وزوجى، ليس لنا دخل آخر سوى عملنا بالأجرة فى مزارع الناس، كان نفسى أتعلَّم، وأشتغل شغلانة مش مرهقة زى شغلانتى دى، لكن أعمل إيه؟ ده قدر عشان كده مش هاسمح إن ولادى ميتعلموش، عندى بنتين لازم أعلمهم عشان ميشتغلوش أُجرية زيى أنا وأبوهم، سنى 30 بس المرض هدنى من كتر الشقا وقلة الإمكانيات، والأسعار غالية يا دوب اللى جاى على قد اللى رايح، نفسى الريس السيسى يحس بينا إحنا الغلابة».
لا تختلف حال سومه محمد على، عن حال رضاء، سوى أن أبناءها فى المدراس، وبحاجة إلى مصاريف أكثر، ما جعلها تلجأ للعمل فى جمع القطن مقابل يوميه ٤٠ جنيها، كما أن ابنتيها على «وش جواز» كما تقول.
«الحياة قاسية على الغلابة، لازم نشتغل زى مانتى شايفه فى المزارع كل يوم من الفجر نعمل شغل بيتنا ونوصل أولادنا للمدارس، ونيجى على الأرض نشتغل من ٧ الصبح لـ٧ المغرب، بدون رحمة، أو راحة سوى مع أذان الظهر لتناول الغدا، وبعد كده نرجع نجمع القطن».
تضيف سومة، وهى تبكى من تعبها: «إحنا الستات متبهدلين قوى فى الشغلانة دى، رغم مرضى بالسكر لازم أنزل وأشتغل، بسبب الغلاء، لقمة العيش صعبة بس هنعمل إيه؟ لازم نضحى عشان ولادنا يتعلموا وميطلعوش زينا فلاحين».