x

طارق الشناوي «ماسبيرو» لم يعد بيت الرئيس! طارق الشناوي الإثنين 26-09-2016 20:34


أنت تعلم وأنا أعلم وهى تعلم أن أيامها فى ماسبيرو على كرسى القيادة فى مبنى الإذاعة والتليفزيون باتت معدودة، ليس لأنها فشلت فى قيادة المبنى، وهى قد حققت بالمناسبة فى هذا الشأن إنجازاً يتحدث عنه الركبان ويشيب له شعر الولدان، كل هذا لا يهم ولكن سيتم التخلص منها سريعاً لأنها أولاً وثانياً وحتى عاشراً أساءت للرئيس، عندما لم تُدرك وكل فريق العمل أنهم يذيعون لقاء له مضى عليه عام وكأنه بث مباشر، البعض يقول إن هذا حدث بفعل فاعل ويدللون على ذلك بأن الحديث الذى أجراه الرئيس مع أسامة كمال قبل بضعة أشهر حدث به خطأ فى التتابع، كما أن هناك بين الحين والآخر تطاولًا على الرئيس فى بعض المداخلات التليفونية، وتم حذف الحرف الأخير من اسم السيسى على شريط الأخبار وغيرها، تشير أصابع الاتهام إلى أن هناك بين العاملين من له ميول إخوانية، لعب دوره لإحراج قيادة الإعلام أمام القيادة السياسية.

بعيداً عن نظرية المؤامرة التى صارت تريحنا، أؤكد لكم أن الخطر الأكبر ليس فى من لهم ميول إخوانية بقدر من لهم ميول عشوائية، وهؤلاء يكتظ بهم المبنى ويفيض. أثبتت التجربة العملية أن ماسبيرو لا يحتاج لمن يتآمر عليه، هو فى هذا الشأن يقوم بالواجب وزيادة، إنها قنبلة موقوتة من الأخطاء القاتلة، أغلبها يحدث بسبب غياب الوعى الإعلامى قبل السياسى لصانع القرار، ما نتابعه على الشاشة نكتشف تخلفه عن مواكبة الزمن، فهم لا يزالون يعتقدون أنه لو حدث تجاوز فى برامج الهواء ووصل الانتقاد إلى قامة الرئيس، فإن الحل ليس فى أن يتعلم المذيع المرونة فى التعامل اللحظى مع الحدث ولكن فى إلغاء أو فى الحدود الدنيا تقليص برامج الهواء، وهكذا مثلاً كان هذا واحدًا من القرارات السريعة التى أصدرتها صفاء حجازى بمجرد اعتلائها الكرسى، ولكنها لم تتوقف مثلاً أمام غياب المصداقية عن الشاشة، ولا هروب وكالات الإعلان، ولا عدم ترحيب منتجى الدراما بالعرض على الشاشة الرسمية التى كانوا فى الماضى يتهافتون عليها، ولم تسأل قبل كل ذلك عن غياب تطبيق العدالة على العاملين.

تعوّدنا أن نغض الطرف عن كل الفضائح طالما لا يتعلق الأمر بالرئيس، وعندما تصل الفضيحة إليه، تنتبه العيون وتتفتح الآذان والكل يضرب تعظيم سلام، يبدأ الموظف الكبير فى إلقاء اللوم على الموظف التالى له فى الدرجة، وهكذا حاول رئيس قطاع الأخبار فى البداية أن يشير إلى أن المذنب هو النائب له ليصبح هو كبش الفداء، وعندما وصلت الرسالة لصفاء حجازى أن كبش الفداء لا يليق بفداحة الجريمة، فارتفع السقف إلى رئيس القطاع، فأطاحت به، وسوف يرتفع السقف بعدها لا محالة إلى صفاء حجازى، القاعدة المستقرة هى كما تُدين تُدان، وكما تُقيل تُقال، صفاء أيضاً جاءت بعد خطأ مماثل وصل لقامة الرئيس، حاول عصام الأمير أن يطيح بأحد كبار مرؤوسيه، وبعدها بساعات جاء قرار رئيس الوزراء بنقله بدرجة وكيل وزارة إلى وزارة الثقافة، وغالباً سوف تزامله فى المكتب المجاور صفاء بعد قليل.

صفاء جاءت بالأقدمية لهذا المنصب، ولم يسأل أحد عن كفاءة ولا «دياولو»، نعم كان من الممكن أن تستمر فترة زمنية أطول، ولكنها بدّدت طاقتها فى تفاصيل شكلية، مثل وزن المذيعات وكم كيلوجرامًا ينبغى أن تفقده المذيعة حتى يُسمح لها بالظهور على الشاشة، وكم جنيهاً ستوفرها لو أنها قرّرت إلغاء اشتراك الصحف التى كانت ترصد لكبار الموظفين، كانت صفاء تبدو مثل من وجد بيته آيلًا للسقوط وبدلًا من أن يسعى لترميمه، قرر أن يعيد طلاء مواسير الصرف الصحى.

هذا المبنى، الذى وصفوه قبل أكثر من نصف قرن بالعملاق، بات حالة تثير الشفقة، وتقرأ مثلاً أن المنتج الفلانى بدوافع وطنية، قرّر أن يمنح لتليفزيون الدولة نسخة مجانية من مسلسله للعرض على شاشته، صار التليفزيون يمد يده ويتسوّل الضيوف والمذيعين والمسلسلات وكأنه يحصل على حسنة.

الإعلام الرسمى مرّ بمراحل عديدة وعرف 23 وزيراً للإعلام، من فتحى رضوان فى منتصف الخمسينيات الذى كان يُطلق عليه قبل أن نعرف مصطلح «الإعلام» وزير «الإرشاد القومى»، حتى آخر وزير د. درية شرف الدين 2014، ومن بعدها تم إلغاء المنصب، ربما يعاد التفكير مرة أخرى ويتم تعيين الوزير رقم 24، بعد أن تخبط التليفزيون كثيراً بعد ثورة 25 يناير، سواء كان لديه وزير أم لا.

هذا الجسد المترهّل يحتاج لقرارات ثورية، حتى يعود إلى الزمن الذى كان فيه هو الواجهة الأولى للدولة، نعم كان تليفزيون الرئيس ولكن فى نفس الوقت كان لديه قدر من الجاذبية، زمن الفضائيات لعب دوراً فى تقليص القوة، حيث أصبحت هناك قنوات أخرى، والدولة فى زمن صفوت الشريف قررت مع بداية الألفية الثالثة أن تسمح بتواجد الفضاء الخاص، على أساس أن هؤلاء فى النهاية رجال أعمال يدينون بالولاء للنظام ويعلمون جيداً أن من لا يلتزم سيتم سحب ترخيصه بعد التضييق عليه فى مشروعاته الاقتصادية.

صفوت الشريف ارتبط بزمن مبارك وعلى مدى يتجاوز عشرين عاما، رسخ مبدأ الولاء المطلق للسلطة، وأن يتصدر النشرة خبر الرئيس حتى لو كان مجرد مكالمة أجراها، سنرى على الشاشة صورة لجهاز تليفون وبجوارها صورة مبارك، د. ممدوح البلتاجى جاء وزيراً للإعلام فى 2004 ولمدة سبعة أشهر فقط، وهو لا يتمنى سوى إرضاء الرئيس، كان مبارك من عشاق مشاهدة عمرو أديب فى برنامج «القاهرة اليوم» عبر «أوربت»، فقرر البلتاجى أن ينقل البرنامج لماسبيرو، واستعان بفريق العمل مثل مهندس الديكور محمود بركة لتصميم البرنامج والراحل حسين الإمام لتقديم فقرة المطبخ والمذيعة نيرفانا إدريس التى كانت تشارك عمرو التقديم، بل اسم «البيت بيتك» كان فقرة سياحية إعلانية داخل برنامج عمرو، الغرض فى البداية هو جذب مبارك للشاشة، وهو ما حرص عليه بعدها أنس الفقى الذى يعتبر البصمة الثانية بعد صفوت لتأكيد أنه تليفزيون مبارك.

إلا أن عبدالفتاح السيسى منذ توليه الرئاسة لم يعد يمنح ماسبيرو أى قدر من الاهتمام، لأن القنوات الخاصة صارت تلعب الدور المحورى فى تقديم وتبنى ما يريده الرئيس.

بيت الرئيس لم ولن يعود ماسبيرو، وهكذا سيظل الإعلام الرسمى خارج نطاق الخدمة والزمن والدنيا، سياسة الدولة هى «شالو ألدو جابو شاهين»، شالوا عصام ثم صفاء وجابوا سامى أو ياسر أو صفوت، ستظل الشاشة الرسمية مرتعًا خصبًا للتندر والقهقهة!!

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية