قال الدكتور محمود محيي الدين، مدير البنك الدولي، إنه ينبغي على الدول العربية أن تراجع الدور الذي تقوم به أو اعتادت القيام به مع عدد من الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية، وذلك على ضوء ما يطرح على الساحة من مستجدات جديدة، وميل دفة الاقتصاد العالمي ناحية الصين والهند ودول الشرق.
جاء ذلك في محاضرة لمحيي الدين خلال الجلسة الختامية للمؤتمر العلمي الحادي عشر، للجمعية العربية للبحوث الاقتصادية، بعنوان «مستقبل الاقتصاديات العربية في ضوء التحديات المحلية والدولية» الذي أنهى أعماله ليل الأحد بالقاهرة.
وأضاف «أن ما كان مقدرا حدوثه قبل الأزمة المالية العالمية يعجل بحدوثه الآن، فيما يرتبط بالحديث حول ميل دفة الاقتصادات العربية ناحية الشرق، خاصة الصين والهند ودول شرق العالم مترجما في حركة التجارة والاستثمار».
وأشار إلى أن هناك ضرورة إلى إعادة النظر بشكل كبير بشأن الدور الأوروبي في التعامل مع الدول العربية في ضوء ما يطرح على الساحة من مستجدات، لا سيما أن هناك دولا عربية، خاصة دول شمال إفريقيا، رتبت أمورها على مشاركات طويلة المدى مع دول الاتحاد الأوروبي وغدت هذه المشاركات في محاور التجارة والاستثمار وحركة العمالة، بالإضافة إلى البنود الأخرى في اتفاقات الشراكة.
ولفت إلى أن وسائل التعاون المختلفة التي تجرى حاليا مع دول الشرق بات ينظر إليها على اعتبار أنه كان من المفترض حدوثها في الأربعينيات من القرن الماضي، وهو ما يتحقق بوضوح في المحاورات والمداولات التي تتم على مستوى دول مجموعة العشرين وغيرها، حيث نجد هذا الدور الكبير للصين والهند ودول الشرق.
وأشار محيي الدين إلى أن هناك تحولا بالفعل في حركة التجارة والاستثمار تدريجيا إلى دول الشرق، ولكن مع معطيات ثقافية اقتصادية جديدة، وأيضا معطيات جديدة في قواعد التعامل والتفاوض والتأهيل بالنسبة للاقتصادات العربية خلال تعاملها مع اقتصادات الشرق التي وصفها بالصاعدة وليس الناشئة.
وقال إن ما يحدث الآن من تغييرات في أوروبا لا يجب النظر إليه على طريقة النظر فيما يحدث من تغييرات في الأسواق المالية، باعتبار أن ما يحدث مثلا من تغييرات في عجز الموازنة أو الدين العام وما يترتب عليه من تغيير في التصنيف الائتماني تتداعى بسببه الأسواق المالية- يعتبر من الأمور الواردة في التحليل قصير الأجل للتغييرات الأوروبية.
ولفت إلى أنه عند الحديث عن المستقبل بالنسبة لاقتصادات الدول العربية لا يشغل بال المرء كثيرا مسألة مدى تحول الدفة من الغرب إلى الشرق، أو أن الكرة أصبحت في الملعب الشرقي على حساب الملعب الغربي، ولكن الأهم ما هو دور الاقتصادات العربية في هذا التغيير الصادر عن المكون المعرفي والقيمة المضافة ومدى تطوره.
وأضاف «لا نفرح كثيرا من وثبات قد تحدث في ميزان التجارة بسبب ما نصدره من سلع ومنتجات قد تكون متواضعة في القيمة».
وأكد أنه على الدول العربية دور كبير تضطلع به في البحث بشأن العوامل المشتركة التي جعلت عددا من الدول النامية تصل بمعدلات نموها الاقتصادي لأكثر من 7% في أقل من 25 عاما عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، وما هى هذه المكونات ولماذا لم تحظ أية دول عربية - باستثناء سلطنة عمان - بأن تكون ضمن قائمة الدول الـ 13 في العالم التي صنفت بأنها الأعلى في النمو الاقتصادي، ومع هذا النمو ترى تطورا في التنمية البشرية حيث ترى أن هناك استقرارا سياسيا واقتصاديا واندماجا في الاقتصاد العالمي وفقا لمعايير محددة وواضحة، وأيضا الاهتمام بالمستقبل من حيث الادخار والاستثمار.
ونبه محيي الدين إلى أن العامل المشترك بين هذه الدول جميعا الاهتمام بالاستثمار في البشر والتعليم والرعاية الصحية عن طريق ضخ استثمارات كبيرة في التعليم كما ونوعا.
وتساءل محيي الدين: إلى أي مدى تتحقق هذه الشروط الآن في النمو والتطور بالدول العربية؟ لا سيما في ضوء المراجعات العالمية لطرق القياس للتطور والأداء الاقتصادي التي يشهدها العالم والتغير من قياس الأداء الاقتصادي، استنادا إلى الناتج المحلي إلى قياسات فيها مدى الوصول إلى مستوى معيشة مناسب في المجتمعات، بما في ذلك الوصول إلى مستوى معرفي لائق.
وقال: «إن ما حدث من أزمة عالمية ليس فقط أزمة في الاقتصاد العالمي ولكنه أيضا أزمة في المفاهيم الاقتصادية». وأضاف أن المدارس الاقتصادية الحالية تقوم بدور كبير في مراجعة المناهج والنماذج وطرق التحليل من جديد.
ودعا محيي الدين الدول العربية إلى أن يكون لها دور- ولو حتى الحد الأدنى للتفسير- في هذه المراجعات، لاسيما مع التطور الذي يشهده العالم في مناهج الاقتصاد والاهتمام بمفاهيم اقتصادية جديدة، منها الاقتصاد التجريبي والسلوكي، أو بما يعرف بالأصول النظرية على المستوى الجزئي للاقتصاد الكلي ليكون فرصة للتعرف على ما يستجد والمشاركة في إعداده.