طالب الدكتور هانى الناظر، الرئيس السابق للمركز القومى للبحوث، أستاذ الأمراض الجلدية، بضرورة إعادة هيكلة منظومة التعليم، بحيث تسمح بوجود سنة تمهيدية للالتحاق بالجامعات، مؤكدا أن هذا الحل من شأنه القضاء على كثير من الأزمات التى يواجهها المجتمع وأبرزها تسريب امتحانات الثانوية العامة.
وأضاف «الناظر»، فى حواره لـ«المصرى اليوم»، أن استراتيجية تطوير التعليم ترتكز على إنشاء وزارة جديدة باسم وزارة العلوم والتكنولوجيا، تحمل على عاتقها تفعيل البحث العلمى وربطه بالإنتاج، والدمج بين وزارتى التعليم العالى والتربية والتعليم فى وزارة واحدة، وتوفير تمويل للبحث العلمى من مصادر غير حكومية، لافتا إلى أن البحث العلمى السبيل لتطوير المجتمع على كافة الأصعدة الصناعية والزراعية والاقتصادية، وأنه قادر على نقل المجتمع إلى مصاف المجتمعات المتقدمة فى غضون 10 سنوات.. وإلى نص الحوار:
■ أثارت مشكلة تسريبات امتحانات الثانوية العامة حديثاً حول ضرورة تطوير نظام التعليم ككل.. ما وجهة نظرك فى هذا الشأن؟
- ينبغى أن نبدأ بإعادة هيكلة منظومة التعليم، التعليم الآن ثلاث مراحل، المرحلة الابتدائية 6 سنوات، والإعدادية 3 سنوات، ثم الثانوية العامة 3 سنوات، وما أقترحه أن نضم المرحلة الابتدائية إلى الإعدادية، بحيث تصبح مرحلة واحدة مدتها 8 سنوات بدلا من 9، تنتهى بشهادة وتكون هذه مرحلة التعليم الأساسى، يستطيع من خلالها الطالب أن يعمل إذا أراد العمل، أو يكمل إذا أراد أن يدخل المرحلة الثانوية، ومرحلة الثانوية تكون 3 سنوات، بعد إتمام الدراسة فيها يحصل الطالب على شهادة الثانوية العامة، ويستطيع أن يعمل بها.
وإذا أراد أن يدخل المرحلة الجامعية فسيكون هناك نظام جديد، من خلال وجود سنة تمهيدية للالتحاق بالجامعات، سنوات التعليم حاليا 12 سنة، وعندما نطبق النظام الذى أتحدث عنه ستصبح 11 سنة، والسنة التى تم توفيرها هذه تكون السنة التمهيدية، هذه السنة لا هى تابعة للمدارس ولا للجامعات، وليس فيها محاضرات ولا فصول ولا شىء من هذا القبيل، وإنما تعتمد على البحث وجمع المعلومات فى التخصص الذى يريد الطالب الالتحاق به فى الجامعة، فمثلا من يريد الالتحاق بكلية الطب يقوم فى هذه السنة التمهيدية، بالاستعداد لدخول الامتحانات فى المواد التى تتطلبها الكلية مثل الأحياء والكيمياء والفيزياء، فيبحث ويدخل على الإنترنت ويقرأ المراجع ويجمع المعلومات بنفسه، وفى نهاية العام يتقدم للامتحان الذى تجريه كلية الطب، ولأننا نريد أن نتلافى العنصر البشرى والغش والواسطة فى دخول الجامعات، فإن الامتحان يوضع بنظام الأسئلة متعددة الإجابات، أى نظام الاختيارى، ويتم تصحيح الورقة بالكمبيوتر، والطالب الذى ينجح فى هذا الامتحان يلتحق بكلية الطب.
■ ماذا عن مزايا هذا النظام؟
- أى طالب حصل على الثانوية العامة سواء بمجموع 50% أو حتى 99% من حقه أن يقدم للكلية التى يرغب فى الالتحاق بها، بغض النظر عن مجموعه، كما أننا سنضمن أن من يجتاز هذا الامتحان ليس من يحفظ أكثر، لأنه يبحث طيلة سنة، فأصبحت لديه القدرة على جمع المعلومات واستيعابها، وهكذا نشجعه على البحث، وهذه أولى خطوات إصلاح التعليم، كما أن هذا النظام سيقضى على الدروس الخصوصية، فلماذا يأخذ الطالب درسا فى حين أنه لو حصل على 50% سيستطيع دخول الكلية التى يريدها، وهكذا نوفر على الأسر المصرية 17 مليار جنيه تصرف سنويا على الدروس الخصوصية، وهذه الأموال ستضخ فى السوق، كما أن هذا النظام سيقضى على التسريبات، لأن تسريب الامتحان يكون للحصول على مجموع عال لكن الطالب يريد أن ينجح، كما يمنع التزوير فى امتحان القبول فى الكليات لأنها أوراق موضوعة بنظام آلى ويتم تصحيحها آليا فلا يصلح فيها التزوير، كما أنه سيتم إلغاء مكتب التنسيق، لأنه نظام غير عادل وغير معبر عن مستوى الطالب، والدليل على ذلك أن عندنا فى كلية الطب هؤلاء الطلبة الذين كانوا حاصلين فى الثانوية العامة على مجموع 99% تجد نسبة النجاح بينهم فى نتيجة السنة الأولى 50%.
■ البعض يقول إن نظام التنسيق هو أعدل نظام؟
- هذا النظام موجود فى مصر، لكن العالم كله لا يعمل به، ولو كان نظاما عادلا لوجدناه فى أمريكا وفرنسا وغيرها من الدول المتقدمة، كما أنه موجود منذ 60 سنة، هل يعقل أن نظل نعمل بنظام منذ 60 سنة، وماذا كانت نتيجته، من يدخل الجامعة ليسوا متفوقين ولكنهم «حفيظة»، والعدل أن تتاح الفرصة للجميع أن يلتحقوا بالجامعة، ومكتب التنسيق يعتمد على شىء واحد فقط وهو المجموع، والمجموع ليس مقياسا للتقييم لدخول الجامعة، فلابد من الإصلاح، والإصلاح يحتاج لقرارات جريئة.
■ طرحت استراتيجية لتطوير البحث العلمى.. ما هى ملامح تلك الاستراتيجية؟
- البحث العلمى سلاح الفقراء، ونحن نمر بظروف صعبة، ولكى ننهض بالدولة لابد أن يكون لدينا بحث علمى، لأنه ينتشل الدول إلى مصاف الدول المتقدمة، ووجود استراتيجية للبحث العلمى مهم لأنها تمثل خارطة طريق، نحن نريد فى خلال 10 سنوات أن نصل لمستويات البحث العلمى مثل الدول التى تقدمت وحققت نهضة اقتصادية وعلمية، هذه الاستراتيجية عبارة عن 4 محاور رئيسية، محور الإدارة، ومحور التمويل، ومحور العلماء والباحثين، ومحور التسويق.
■ ماذا عن محور التمويل؟
- المادة 23 من الدستور التى شرفت بأن شاركت فى صياغتها تنص على أن الدولة ملتزمة بالإنفاق على البحث العلمى بما لا يقل عن 1% من الناتج القومى، ونريد أن نصل بالإنفاق على البحث العلمى من خلال هذه الاستراتيجية إلى 3% من الناتج القومى فى خلال عشر سنوات، المطلوب منا أننا كل سنة نزيد 3 من عشرة فى المائة حتى نصل إلى نسبة 3%.
■ كيف نحقق ذلك خاصة أن الحكومة تشتكى أنها لن تستطيع تدبير النسبة الدستورية للتعليم والصحة فى الميزانية الجديدة؟
- ليس شرطا أن تدفع الحكومة من الميزانية، وإنما تضع الآليات التى تحفز المستثمرين ورجال الأعمال ليستثمروا أموالهم فى البحث العلمى، ففى أى دولة فى العالم البحث العلمى يموله فى الأساس القطاع الخاص، لأنهم هم المستفيدون من نتائجه.
■ ما هذه الآليات؟
- أن تعطى إعفاءات ضريبية للمستثمرين الذين يمولون أبحاثا، وإعفاءات جمركية على الآلات التى يستخدمونها، وتعطيهم مميزات نسبية عند تخصيص الأراضى، وأن تصدر قانونا يشترط على أى مصنع أو شركة تفتتح مصنعا جديدا أن تنشئ داخله وحدة للبحوث والتطوير.
■ من خلال خبرتك العملية.. ما أبرز المشكلات التى تواجه شباب الباحثين فى مصر؟
- المناخ، شباب الباحثين يحتاج مناخا محيطا به يرفع من معنوياته ويشجعه على الإبداع، بالإضافة إلى الإدارة الجيدة، الباحث ينجح عندما يعمل تحت مظلة إدارة ناجحة، ثالثها التمويل وتذليل العقبات التى يواجهها الباحث، كما قلت الإدارة الجيدة هى التى تزيد مواردها المالية دون الاعتماد على الدولة، التمويل الذاتى من خلال تسويق الأبحاث سيزيد الميزانية وسيعطى حرية أكثر فى الحركة.
■ ماذا عن محور التسويق؟
- لابد أن يكون فى وزارة العلوم والتكنولوجيا قطاع كامل اسمه قطاع التسويق، ويتم تشكيل مجالس مشتركة اسمها مجالس البحوث والتطوير تضم رجال أعمال ومستثمرين مع العلماء يجتمعون بصفة مستمرة، ويكون فيها خبراء تسويق، ليأخذوا الأبحاث ويسوقوها فى المناطق الصناعية لاستثمارها، والمستثمر ربما لا يعرف أين يستثمر أمواله، فوظيفة الحكومة أن توجهه.
طبقنا تجربة أثناء رئاستى للمركز، عندما كان الطالب ينتهى من الماجستير وقبل أن يسجل للدكتوراة فى مجال من مجالات الصناعات، سواء صناعات غذائية أو صناعات كيماوية، كنا نرسله فترة تدريب 6 شهور فى مصنع من المصانع فى مجال تخصصه، بعد الستة شهور نسأله ما المشاكل التى تواجه تلك الصناعة، ونأخذ هذه المشاكل ونختار منها واحدة تكون عنوان رسالته للدكتوراه.
■ ما آليات تنفيذ محاور تلك الاستراتيجية؟
- البحث العلمى يجب أن يكون له أب شرعى، يتمثل فى وجود وزارة متخصصة تتولى مسؤوليته، لذا فلابد من إنشاء وزارة العلوم والتكنولوجيا، والرئيس مهتم بالبحث العلمى، وفى آخر لقاء له طالب بالإنفاق على البحث العلمى، وضرورة خروج الأبحاث للتطبيق، يتبقى دور المسؤولين لتحقيق هذه الرؤية، حيث تحتاج الحكومة لإنشاء وزارة للعلوم والتكنولوجيا لتنفيذ رؤية الرئيس، وفكرة دمج وزارة البحث العلمى مع التعليم العالى لم تظهر فائدتها، فيجب أن تكون منفصلة ولا تكون وزارة دولة ليس لها اختصاصات، وإنما وزارة قوية لها رؤية متكاملة، فوجود مثل هذه الوزارة أصبح حاجة ملحة ولم يعد رفاهية.
■ كيف يمكن تطبيق تلك الأهداف على أرض الواقع
- فى مجال الزراعة للبحث العلمى دور مهم، من خلال زيادة إنتاجية المحاصيل، وتطوير طرق الرى، ومقاومة الحشرات، والتسميد والمخصبات، وكذلك استغلال الطاقة الشمسية فى إنتاج الكهرباء، حيث بدأ حاليا التوسع فى استخدامها فى مصر، ومن الأبحاث التى قام بها المركز إنتاج الغاز الحيوى، الذى نهدف إلى تطبيقه فى القرى، من خلال استغلال الصرف الصحى الناتج عن الاستخدام الآدمى أو بقايا الحيوانات فى توليد الطاقة الكهربائية، وهو أسلوب رخيص وسهل، وسيوفر على الدولة الكثير، كما أنه يخلص القرى من هذه المخلفات بصورة صحية.
أثناء فترة رئاستى للمركز القومى للبحوث قمنا بأشياء كثيرة، إلى جانب نموذج سفاجا، أنتجنا مصل أنفلونزا الطيور الذى خرج من المركز القومى للبحوث، كما توجد أدوية تباع فى الصيدليات حاليا من إنتاج المركز.