«هناك أكثر من مليون فرق بين الشمال والجنوب»..عبارة رددها مواطنون بجنوب السودان مؤكدين أن قطار الانفصال انطلق بلا رجعة معتبرين فى جولة قامت بها مراسلة «المصرى اليوم» فى جوبا عاصمة الجنوب أنهم أفضل حالا من الشمال لتوافر المياه والخضار والكهرباء.
مرارة الحرب كانت وراء قرار اختيار الانفصال، حيث تقول زينب وهى شابة شاهدت موت والدتها وشقيقتها أمام عينيها برصاص الحرب، أمها كانت تحمل أختها الصغرى وراء ظهرها، كما تقول زينب، لتقتل تلك الطلقات الطفلة أولاً ثم تصيب الأم من بعدها لتتربى بعد ذلك فى بيت عمها لأنها لا تعرف مكاناً لأبيها حتى الآن.
هكذا قالت زينب عندما سألتها ما إذا كانت ستصوت للوحدة أم الانفصال. ثم تابعت وقد بدأت لهجتها تزداد حدة: «يعنى أهلى ماتوا فى الحرب وأنا جنوبية مسلمة والشماليون قتلوا أهلى، وأنا متزوجة وقاعدة هنا فى الجنوب، فلماذ أذهب إلى الشمال مرة أخرى، وماذا سأستفيد إذا ما صوت للوحدة؟، إننى أخشى أن أفقد زوجى وأولادى بعدما فقدت أهلى بسبب الشماليين»، مضيفة أن الاستفتاء فرصة لتحقيق الاستقلال، إذا لم يستغلها الجنوبيون لن يجدوها مرة أخرى».
تركتها ومضيت وأنا أفكر فى ترحاب الجنوبيين بي الذى سرعان ما يتبدل إلى تحفظ وانعدام ثقة إذا ما عرفوا أننى سودانية من الشمال فيرفضون مواصلة الحديث معى. كنت أدرك أن هذه المسألة حساسة للغاية لأن هناك انطباعات ورواسب لم تكن الـ6 سنوات الماضية كافية لذوبانها لكثير من الجنوبيين خاصة فى ظل الأجواء السياسية المحتقنة طوال تلك الفترة ما بين شريكى الحكم فى السودان المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية والتى انعكست بدورها على الشارعين الشمالى والجنوبى.
الصدفة وحدها جمعتنى بـ«شول مايون» الذى بدأ حديثه عنيفا: «جرايدكم فى الشمال مش بتقول الواقع فى الجنوب، كله شغال لمصلحته، ومش بتخلى الواحد يعرف إيه الحقيقة بالضبط».
مايون رجل أربعينى، يبيع السجائر والبطاريات وكروت الموبايل فى سوق جوبا، ويصف نفسه بأنه «انفصالى من الدرجة الأولى»، كما يعتبر الانفصال حقاً للجنوبيين، ومكافأة وتعويضاً عن كل ما عانوه على مر التاريخ. وأصر مايون على أن الجنوب مؤهل للانفصال مؤكداً أن كل من يشكك فى هذا الأمر طامع فى خيراته ويريده أن يكون تحت الوصاية طوال الوقت.
واعتبر مايون أن هناك فرقاً كبيراً بين الجنوب قبل وبعد نيفاشا، مدللاً على ذلك بتوفر الكهرباء والماء والسيارات. وقال: «كل شىء موجود هنا فى جوبا وعايشين فى سلام، فنحن هنا بنتحرك بحرية فى جوبا وفى كل مدن الجنوب لأنه بقى فيه طرق وشوارع وتنمية..إحنا عايشين هنا أحسن من الناس فى الشمال».
أكوت رجل فى نهايات العقد الثالث من عمره يعمل سائقاً سألته عن الفرق الذى يراه فى جوبا ما قبل وبعد اتفاقية السلام فقال: «فى مليون فرق فى الحياة لأنه اتوفرت فى الجنوب حاجات كتيرة وفى فرق بقى بين الشمال والجنوب، فلم يعد الشمال جاذباً للجنوبيين زى زمان، وأنا قعدتّ فى شمال السودان 10 سنوات، كنت شغال عتال، والجنوبيين كانوا بيجروا السيخ بالعربات فى الشمال من 3 صباحاً لحد الساعة خمسة لحد ما ينتهوا من كتر التعب».
وحول الاستفتاء قال: «بصراحة إحنا فى الجنوب مستعدين ننفصل، فسألته هل من الممكن أن تقبلوا الوحدة إذا ما حدثتكم عنها حكومة الجنوب؟ فرد غاضباً: «حكومة الجنوب لا يمكن أن تقول ذلك، فهى دائما ما تقول الأمر يعود لرأى المواطنين، والرئيس أكد أن الانفصال من عدمه رغبة واختيار للمواطن، وإحنا انفصاليين وحكومة الجنوب مجبورة على الآخذ برأى المواطنين الجنوبيين».