x

أسامة غريب السعادة والقَدَر أسامة غريب الثلاثاء 13-09-2016 21:39


هل يمكن أن يكون الإنسان سعيداً وهو محاط من كل جانب بالتعساء، أم أن للسعادة شروطا يأتى من ضمنها أن يكون مَن حولك سعداء؟

هناك وجهات نظر مختلفة فى هذا الأمر، فالبعض تشقيه مظاهر الفقر والعوز والبؤس والتعاسة فتمضه وتنكد عليه حياته وتجعله غير قادر على الاستمتاع بما يملكه من صحة وثروة ونفوذ.. وهذا النوع تشكّل منه العظماء والنبلاء على مدار التاريخ، فمنهم من ترك طبقته وآثر صحبة العوام من فقراء الشعب، ثم وجد سعادته فى الحياة وسط الناس، ومنهم من تنازل عن ثروته أو معظمها لأبناء الشعب الفقراء.. وقد قال اللورد بايرون الشاعر الإنجليزى عن السعادة: «من يحصل على السعادة عليه أن يشرك آخرين فيها، فالسعادة ولدت توأماً».. وقد قام هو نفسه بالرحيل عن إنجلترا وطاف بأنحاء أوروبا حتى انتهى به المطاف وهو يقاتل فى اليونان على أرض ليست أرضه إلى جانب شعب ليس شعبه، وقد وجد السعادة فى الوقوف إلى جانب قضية آمن بها. أما النبيل والأديب الروسى تولستوى فقد تنازل عن ثروته للفلاحين الفقراء لأنه لم يقدر على تبعات السعادة وسط محيط هادر من البؤس، وقد كتب لزوجته رسالة وداع وهو يهم بالرحيل بعيداً عن البيت الباذخ والحياة المرفهة قال فيها: «لم أعد قادراً على ممارسة الحياة اليومية فى هذه الرفاهية التى تحيط بى، وبات الثراء يخنقنى، وقد طال صبرى على هذا حتى انقطع رجائى فى مزيد من الصبر، يقينى شر اليأس من عالم تشهّيته كثيراً كما يتشهاه كل عجوز بلغ السن التى بلغت!. ما أنشده هو عالم من السكون والوحدة، لا يفسده ضجيج المال وأنانية الثراء ووحشية الرغبة فى التملك.. أريد أن أقضى الأيام المتبقية لى من العمر فى سلام».

وعندنا فى مصر شرفت الحياة السياسية بقديس من نوع غير مألوف وغير شائع هو المحامى أحمد نبيل الهلالى، ابن نجيب الهلالى باشا، آخر رؤساء الوزارة فى العهد الملكى.. هذا رجل ألقى عرض الحائط بكل إغواءات طبقته، فتنازل عن ميراثه من القصور والأموال وآلاف الأفدنة ليلتحق بأحلام الفقراء ويجعل نفسه واحداً منهم، وكان مكتبه بحق هو ديوان المظالم الذى كان يقصده كل مظلوم.. ركل نبيل الهلالى حياة البذخ واختار أن يكون محامى الفلاحين والعمال، ووجد سعادته فى الإخلاص لإنسانيته، فدافع عن الإسلاميين بكل نبالة وشرف، وهو الشيوعى المخلص لأفكاره الذى لم يمنعه الاختلاف الفكرى من الدفاع عن حق الغير فى الوجود.

هذه نماذج مضيئة لأناس عجزوا عن العيش فى سعادة، بينما يحيط بهم حزام الفقر والبؤس من كل جانب.. لكن فى الحقيقة هى نماذج عجيبة ونادرة، إذ إن السواد الأعظم من الناس لا يشعر بالسعادة إلا إذا قاسوا أنفسهم بغيرهم من المقربين والمحيطين، وكلما وجدوا الفرق شاسعاً فى مستوى المعيشة وفى وسائل الرفاهية زاد إحساسهم بالسعادة وعدّوا ذلك من قبيل رضا الله عنهم.. هؤلاء تدمرهم فكرة المساواة وتشقيهم أفكار العدل، لأنهم بنوا نسقهم الفكرى على أساس أن الفقر قَدَر والغنى قَدَر.. ولا ينبغى أن نحارب القَدر!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية