قليلون هم أولئك البشر الذين يحملون فى أرواحهم جوهر الأماكن التى يعيشون فيها، والروائى الليبى إبراهيم الكونى، الذى فاز أمس الأول بجائزة مؤتمر الرواية العربية فى دورتها الخامسة أحد هؤلاء الذين امتزجت ودماؤهم بهواء الأماكن التى يتحركون فيها، حتى انطبعت على ملامحه صورة الصحراء التى عاش فيها وكرس حياته للكتابة عنها.
تحمل كتبه التى تزيد على الستين عملا، بين رواية وقصص وكتب فلسفية ونقدية منها: التبر، المجوس، السحرة، خريف الدرويش، رباعية الخسوف، نزيف الحجر، الصلاة خارج نطاق الأوقات الخمسة طابعا مميزا واستثنائيا، ففى هذه الأعمال وغيرها، تخرج من أسطورة لتدخل فى أخرى، وإن كانت جميعها تدور فى عالم واحد، أو نطاق بيئى ثابت هو الصحراء، فجميع أعمال الكونى تصنع عالما يمزج الحقيقة بالخيال، الأسطورة بالواقع فى حياة الصحراء، وما تخبؤه من أسرار عبر التاريخ.
من يقرأ أعمال الكونى، لاشك سيدرك مدى الهوس والارتباط الوثيق بين هذا الروائى الفذ، وبين عالمه الروائى الذى أصبح بمثابة ماركة مسجلة باسمه، فرغم أن العديد من الروائيين العرب الكبار طرقوا عالم الصحراء وكتبوا عنه إلا أن الكونى لم يكتف بالكتابة فقط، بل عاش الصحراء، تشبع بها، تحدى الواقع وأطلق بصيرته ليستشف ما وراء الواقع، لينسج خيوطا متينة بين البشر والرمال والوديان والسهول، يستعدى أساطير قبيلة الطوارق التى ينتمى إليها، يفتش فى التاريخ البعيد عن أصل هذا الفضاء الأصفر الممتد، عن فلسفته ومغزاه.
لاشك من يقرأ للكونى يتوقع أن يرى رجلا من قبيلة الطوارق، يرتدى العمة واللثام، تمام كما يظهر فى صوره على أغلفة بعض كتبه، وكانت هذه الصور تمثل قمة التوحد بين الحالة الروائية التى يمثلها، وبين العالم الذى يكتب عنه، ورغم أنه ترك الصحراء منذ سنوات وقضى فترة فى موسكو، ويعيش حاليا فى سويسرا، إلا أن ملامح وطبيعة الصحراء مازالت بادية عليه.
حصل الكونى على العديد من الجوائز، منها جائزة الدولة الاستثنائية من الحكومة السويسرية على مجمل أعماله المترجمة إلى الألمانية، وحصل على جائزة الدولة فى ليبيا عن مجمل أعماله عام 1996، وتأتى هذه الجائزة لتتوج مشوارا طويلا من الإبداع رسخ لثقافة الصحراء ومزج بين الرمل والأسطورة والدم البشرى والتاريخ.