الإعلاميون الكبار لديهم ذكريات مهمة. معظم الأجيال الحديثة لا تعرف السياق الواقعى لأحداث قريبة منا، لأننا لم نتعلم حتى الآن كيف نكتب «التاريخ» بتحرر عن قناعات الحاكم ومن حوله، وقناعة من يكتب.
قبل أسبوع تقريباً، شاهدت حلقة كاملة للأستاذ محمد سلماوى، الأديب والصحفى، وأستاذى بالطبع، وهو يتحدث للزميل يوسف الحسينى على فضائية «أون تى فى» عن كواليس تسلمه جائزة نوبل نيابة عن الأديب العالمى، نجيب محفوظ عام 1988، ورغم أنى أعتز بعملى مع سلماوى فى «المصرى اليوم» لعدة شهور، ورغم أننى سألته أكثر من مرة عن «محفوظ» وعلاقته به وأسرار اختياره لتسلم الجائزة من بين كل الأصدقاء المقربين من «محفوظ»، فإننى، لأول مرة، أسمع عن الأسافين التى ضربها البعض لكى يغير «محفوظ من قراره» وأن بعض الإعلاميين والسياسيين كانوا يريدون تغيير اسم سلماوى وترشيح أديب آخر أو على الأقل ترشيح، رئيس اتحاد الكتاب لتسلم الجائزة، إلا أن أهم ما استفدت منه، أننى تذكرت كرئيس للتحرير، وكذلك زملائى، فى صالة تحرير «المصرى اليوم»، أننا نسينا الذكرى العاشرة لرحيل الأديب الكبير. وبسرعة زار الزميل معتز نادى «الجمالية» وحصل على تصريحات وصور للمكان الذى ولد وترعرع فيه «محفوظ»، وذكر القراء بوعود المسؤولين بتحويل بيته القديم إلى «متحف» أو الاحتفاء بالمنطقة سياحياً وترميم المبانى المتواجدة فيها، كما يحدث فى كل العالم مع من هم أقل قيمة من «محفوظ».
الجمعة الماضى، تكرر الأمر، كنت أقرأ وأنا فى بيتى بروفات عدد السبت من «المصرى اليوم» على «السيستم»، فهزنى مقال الكاتب الكبير صلاح عيسى عن اعتقالات سبتمبر، التى تمر اليوم الذكرى الخامسة والثلاثون على وقوعها.
عنفت نفسى أولاً، ثم عاتبت الزملاء، كيف تمر «ذكرى» بهذه الخطورة، دون أن تستفز مشاعرنا أو تستدعى الأحداث الثقال فيها. إنها ذكرى غيرت صورة مصر الحديثة، من بلد خرج لتوه من الحرب، وعرف طريق «السلام» إلى بلد غوغائى يغيّب زعماؤه لغة القانون، يغلقون كل منافذ الحرية، أو معظمها، فى يوم وليلة.
بلد يعتقل رموزاً لكل التيارات، منهياً بذلك كل طرق التواصل مع كل أطياف المجتمع. لست أدعى هنا أن اعتقالات سبتمبر كانت سبباً مباشراً فى اغتيال السادات بعد 31 يوماً فقط من إتمام هذه الاعتقالات، ولكن السياق يقول ذلك، والخبراء يؤكدون هذه النتيجة أيضاً. المهم أننى تناقشت مع الزملاء لإعداد هذه «المتابعة» على عجل، ربما لا تكون «تغطية» مثالية، ولكنها تذكير بهذه الأحداث الجسام، وما تبقى فى ذاكرة عدد من المعتقلين.
المهم أيضاً أن ذاكرتى استعادت ملفاً متكاملاً أنجزته قبل عشر سنوات- فى الذكرى الخامسة والعشرين للاعتقالات، وكان العنوان الثابت هو «25 عاماً على حبس مصر».
ورغم الحساسيات والمضايقات التى سببها الملف بحلقاته الثمانى، فإننى خرجت بنتيجتين: الأولى أن الحاكم الذى لا يفهم طبيعة التركيبة السياسية لشعبه، وزمن الحاكم الفرعون انتهى تماماً، والثانية أن «هامش الحرية» فى 2006 فى نظرى كان أوسع من الموجود الآن.
طلبت من الزملاء فى قسم المعلومات تسليم الملف إلى «الويب» لإعادة نشره خلال الأيام المقبلة.