حضرتُ لقاءً ضم جمعاً من الأصدقاء، دار فيه حوار حول الكتب والنشر والأعمال الأدبية. كان الحوار فى مجمله ناضجاً ودالاً على ثقافة ووعى كبيرين، غير أن سؤالاً وجهه لى أحد الشباب ألقانى فى حيرة ولم أعرف ماذا أقول له. قال الشاب: أنا كاتب ناشئ أجهز لعمل كتاب موسوعى كبير فى التنمية البشرية، وقد وضعت بالكتاب حلاً ناجعاً لمشكلة العنوسة فى البلاد العربية كلها، وأتوقع للكتاب رواجاً كبيراً وأن تتم طباعته مرة واثنتين وثلاثا، لكنى أخشى أن أضع كتابى بين يدى ناشر غير أمين يستأثر بالأرباح وحده!. أثنيتُ على جهده وتمنيت له التوفيق، لكنه فاجأنى بأن قال: لكن عندى مشكلة صغيرة أحتاج رأيك فيها. قلت: ما هى؟. قال: أنا لا أعرف جيداً الكتابة باللغة العربية الفصحى، لكنى أعرف كيف أكتب بالعامية بنفس الطريقة التى أتحدث بها.. فهل يا ترى أكتب موسوعتى بالعامية أم أستعين بشخص أملى عليه أفكارى ويقوم هو بكتابتها؟ أدهشنى كلامه لأن اللغة هى الأداة الأساسية للكاتب وبدونها لا يمكن أن يكون كاتباً، وكل الناس تدور الأفكار فى رؤوسهم طوال الوقت ولكن الكاتب فقط هو من يستطيع أن يلتقط الفكرة ويعبر عنها بفاعلية.. فكيف بشاب لا يعرف كيف يكتب يريد أن يصبح كاتباً؟
ذكرتنى هذه الواقعة بتجربة مررت بها حين تلقيت مكالمة من أحد الناشرين بالإسكندرية أثنى فيها على ما أكتبه وعندما شكرته على لطفه قال: أطلبك الآن لأعرض عليك أن نعمل معاً.. أنا عندى أفكار كوميدية غير مسبوقة أريد أن أصنع منها كتاباً، وأريدك أن تقوم بكتابة وصياغة هذه الأفكار وبعدها يكون الكتاب شركة بيننا نكتب عليه اسمينا ونتقاسم أرباحه. اعتذرت برفق وأوضحت له أننى لا أصلح للقيام بهذا العمل لأننى أكتب أفكارى وأتحمل نتيجتها أمام القارئ ولا أحتاج لأفكار من أحد.. ثم سألته: مادمت تملك هذه الأفكار.. فلماذا لا تكتبها أنت وتستأثر بالمجد كله لنفسك؟ لم يعجبه ردى وظهر عليه الغضب وهو يقول: لو كنت أجيد الكتابة لما فكرت فى الاستعانة بك، ثم علت نبرته وهو يقول: ولعلمك إن العرض الذى أقدمه لك يتمناه الكثير من الكتاب. قلت ضاحكاً: يسعدنى أن تتوجه بعرضك لأحد غيرى. قال: لقد تعاون معى من قبل فى مشروعات مماثلة فلان وفلان وفلان، وكلهم كما ترى أصحاب أسماء كبيرة.. فمن تظن نفسك؟.. ثم قام بإغلاق الخط فى عنف حتى حسبت أن عدة تليفونه قد تحطمت!.
كنت أظن أن هذا العرض عبارة عن عبث من شخص مجنون، لكنى اكتشفت أن المسألة شائعة وغير داعية للدهشة، وفهمت أن حكاية كاتب بالإيجار ليست نكتة، لكنها وظيفة معروفة فى العالم العربى، حيث الهجص والكذب والادعاء أشياء لا غنى عنها، وعرفت كذلك أن الكاتبة فلانة مثلاً تدفع بكرم لمن تضع اسمها على كتاباتهم، وتذكرت أن بعض رؤساء التحرير لديهم طاقم يكتب لهم مقالاتهم بالتناوب. كل هذا جعلنى أسحب دهشتى بشأن الشاب الذى لا يعرف كيف يكتب ومع هذا يريد أن يصبح كاتباً مشهوراً.. وعجبى.