x

وجهة نظر: لقد تغيّرت ألمانيا بعد مجيء اللاجئين

الجمعة 02-09-2016 18:47 | كتب: دويتشه فيله |
اللاجئين في ألمانيا- صورة أرشيفية اللاجئين في ألمانيا- صورة أرشيفية

هناك بعض الأشياء التي تغيرت في ألمانيا هذا العام. أولها هو الخبر السيء الذي يشير إلى تزايد العنصرية في ألمانيا. استغل حزب البديل من أجل ألمانيا (اليمني المعادي للأجانب) خوف العديد من الألمان من اللاجئين، وهو الذي خسر شعبيته قبل بداية أزمة اللاجئين.

في الأثناء تشير آخر استطلاعات الرأي إلى أن حزب البديل من أجل ألمانيا يتمتع بتأييد 15 في المائة من أصوات الناخبين في كامل ألمانيا. ورغم أن حزب البديل من أجل ألمانيا لم يتمكن في الانتخابات البرلمانية السابقة (2013) من اجتياز عتبة الخمسة في المائة المخوِّلة لدخوله البرلمان، إلا أن الأمر اختلف اليوم. إذ أن معاداة الأجانب صارت أمرا مقبولا في ألمانيا.

رغم ذلك فإنه من الضروري وضع هذه الحقيقة في سياقها الأوروبي. إذ يمتلك اليمينيون الشعبويون في فرنسا وبلغاريا أكثر من 20 في المائة من المقاعد في البرلمان. بيد أنهم يقودون الحكومة في بولونيا والمجر.

أما في بريطانيا فقد مهد حزب الاستقلال الطريق أمام خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي. إذا ما نظرنا إلى دول أوروبا الشرقية التي تتغلغل فيها تيارات قومية، يمكن القول أن ألمانيا تعتبر ملاذا للاعتدال السياسي والاستقرار. لقد تغيرت علاقة الألمان بالمستشارة. شعبيتها تراجعت لأن الكثير من الألمان غير راضين على طريقة إدارتها لأزمة اللاجئين. في المقابل هناك استقرار لشعبية اتحاد الأحزاب الحاكمة، بحسب استطلاعات الرأي. أما على مستوى السياسة الخارجية، فلا تزال المسشارة تتمتع بتقدير كبير. وحتى إن لم تلقَ سياسة اللجوء التي تتبعها ترحيبا كبيرا في عدة دول أوروبية، إلا أن مواقفها من مسائل حاسمة مثل مصير الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه كان لها وقع كبير تماما كالسابق.

كما حظي موقف ميركل الإنساني من اللاجئين احتراما من قبل الرئيس الأمريكي أوباما الذي أثنى عليها قائلا: «ألمانيا تقع على الجهة الصحيحة من التاريخ»، شأنه في ذلك شأن العديد من الناس في إفريقيا والشرق الأوسط. وذلك لأن ألمانيا ترجمت الكلمات إلى أفعال عندما فتحت أبوابها أمام أناس في أمس الحاجة إلى المساعدة. لقد تغيرت علاقة الألمان باللاجئين. إذ يسود حذر كبير لدى الألمان بعد موجة من المساعدة في البداية.

أثارت اعتداءات نهاية رأس السنة في كولونيا وهجمات أنسباخ وفورتسوبرغ ذات الخلفية الإسلاموية مخاوف لدى الألمان من الإرهاب الإسلاموي، وذلك بالرغم من دخول مرتكبي الهجمات ألمانيا قبل وقت طويل من فتح الحدود في سبتمبر/ أيلول الماضي 2015، وأيضا بالرغم من أن عددا قليلا من اللاجئين كانوا من بين مرتكبي اعتداءات كولونيا. لكن رغم هذه المخاوف، هناك استعداد لدى الألمان لتقديم يد المساعدة. لا يزال ذلك ملموسا وهم يساعدون بقدر ما يستطيعون. إذ يعلمون أطفال اللاجئين الألمانية ويستقبلون اللاجئين القاصرين ويساعدون آخرين في العثور على عمل.

ما كانت أمور عديدة لتستقيم، لولا التطوع الخيري والكبير لآلاف المواطنين. إذ لم يضطر أي لاجئ في ألمانيا لقضاء الليل في الشوارع. كما أن وضع غالبية اللاجئين اليوم أفضل بكثير مما كان عليه في السابق. إن القرار الرائع باستقبال أناس محرومين هو قصة نجاح تحسب لألمانيا. لكن ذلك لا يخفي التحديات الحقيقية. إذ أنه من الضروري على المجتمع أن يوفر حزمة من إجراءات الاندماج التي تتيح للأطفال الالتحاق بقاعات المدارس والكبار بأماكن الشغل.

هذه الإجراءات تكلف أموالاً وقد تثير غيرة لدى أطراف في المجتمع ما قد يدخل بلبلة على السلم الاجتماعي. من جهة أخرى تحمل أزمة اللاجئين في طياتها فرصة للمجتمع الألماني تزيده من ثقته بالنفس، خلافا لما كان عليه الأمر في الماضي. إنه لأمر بديهي على كل اللاجئين الذين سيظلون في ألمانيا أن يتعلموا اللغة الألمانية وأن يحترموا قيم المجتمع الألماني المبنية على الحرية والديمقراطية وأن يضعوا الدستور الألماني في مرتبة أعلى من الإنجيل والقرآن وكتب مقدسة أخرى. كما عليهم الاعتراف بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة. كل إخلال بالقانون مرده العقاب.

كما أن ترحيل مرتكبي الجرائم من الأجانب يجب أن يتم بشكل أسرع. صحيح أن أزمة اللاجئين أزعجت هدوء بعض الألمان وهي أزمة تستلزم منهم الكثير من الأشياء. إذ أنها تطرح أمامهم تحديات جديدة، في المقابل هي أزمة تقدم لهم في نفس الوقت فرصا. الخبر الجيد هو أن تنوع الثقافات يولد طاقات كبيرة، لكن بشرط أن يتلقى اللاجئون شعورا يحسسهم بأنهم ينتمون إلى هذا المجتمع. هكذا سيعودون بالفائدة على المجتمع. فنسبة الأموال التي يرسلها اللاجئون إلى بلدانهم هي أكثر من النسبة التي تخصصها ألمانيا للمساعدات التنموية. سيأتي يوم نسترجع فيه الماضي ونقول: إنه لأمر جيد أن ألمانيا تغيرت. بيد أن ذلك لن يتحقق إلا إذا ما لم يتحلَّ الألمان بالواقعية في معالجة أزمة اللاجئين، والكف عن النظر إلى اللاجئين كمشكلة، بالإضافة إلى التحلي بالقناعة القائلة إن مساعدة أناس محتاجين من شأنه أن يقوى المجتمع.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية