x

عادل نعمان قانون بناء الكنائس يشرعه السلفيون عادل نعمان الأربعاء 31-08-2016 21:45


دولتنا المدنية العصرية الحديثة، التى تحارب الإرهاب وتهزه وتربكه وتحاصره، ولا تخشاه ولا تهتز من أعداده أوعتاده، تخشى السلفية وتتقى شرورها. ترتعد أوصالها إذا زمجرت، وترقب نظرات عينيها يمنة ويسرة، فإن جحظت وقفت ولم تقعد، وإن غارت نامت وشكرت ربها، وإن كشرت عن أنيابها ارتجفت، وإن عبست ارتعشت، وإن ابتسمت فرحت ورضيت وسكنت، وتعمل لها ألف حساب دون القوى السياسية جميعها. فإذا أصرت القوى المدنية على مدنية الدولة، اتقت شر السلفيين وكتبتها مدنية الحكومة، وإذا ارتأت فى القوانين الوضعية مصلحة للأمة وشعبها، أوقفتها خشية وخيفة منهم، وأكرهت على تراث رث تليد حسبوه شريعة، وأوقفوه مصدرا رئيسيا للتشريع والتقنين، حتى أصبح الدستور مسخا، حكومة مدنية بروح سلفية. دولتنا الضعيفة يخدعها المتاجرون والنصابون، يبيعون لها حكما بلا أعمدة، وشرعية بلا سند، ويبتاعون منها عقل الأمة وثقافتها ويشوهون حاضرها ومستقبلها، ويستبدلون اقتصاد العمل والعلم باقتصاد الغزو، وأسواق التجارة بأسواق النخاسة، والله إنها قسمة ضيزى منذ قرون. دولتنا تستبدل إما الإخوان بالسلفيين، أو السلفيين بالإخوان، البنطال بالجلباب، أو اللحية المهندمة والمزركشة باللحية المعوجة المهيشة. وتظن دولتنا أن الغلبة والهيمنة لهم. والله لقد استبدلتم الأدنى بالأعلى، والشر بالخير، فشوارعنا ليست لغلبة السلاح أو البلطجة إلا إذا غابت الدولة واهتز سلطان القانون. السلفيون فى بلادى فى كل ركن وفى كل زقاق وفى كل حارة، فى كل أجهزة دولتنا، الوزارات والمصالح والمجالس والهيئات والمرافق يتربعون على كل الكراسى والمكاتب يتحكمون ويحكمون ويرهبون كل خلق الله، يتمددون فى ضحكاتهم وبكائهم، فى أفراحهم وأحزانهم فى خطواتهم وهرولتهم، فى مأكلهم ومشربهم، فى صحوهم ونومهم.

قانون بناء الكنائس طالما وصف ببناء الكنائس أصبح قانونا سلفيا بامتياز، يأخذ ربعه من الوثيقة العمرية، وربعا من أحكام أهل الذمة لابن القيم وفتاوى غير المسلم لابن تيمية، وربعا من الخط الهمايونى العثمانى والربع الأخير من قانون 33، هذا الواحد الصحيح تحت سيطرة وسطوة وبطولة السلفية المزيفة. دولتنا الفتية لا تستطيع تنفيذ حكم بتسليم قطعة أرض إلى صاحبها خوفا ورعبا من بلطجة البعض، فكيف لصاحب الأمر أن يتخذ قرارا بتنفيذ بناء كنيسة؟ أيها السادة دولتنا تخاف السلفيين وترتعد أوصالها وتهتز من العصا إذا رفعت، وتخشى أن تكتب قانون إنشاء دور العبادة حتى لا تساوى بين الكنيسة والمسجد فى البناء، وسيعود بنا قانون بناء الكنائس سيرته الأولى على أعتاب الوثيقة العمرية منبطحا مستجديا ترميم كنيسة أو دورة مياه فيها.

أقسم لن ينصلح لنا حال، ولن نشعر بالمواطنة وهى حق لكل من يعيش تحت سماء هذا الوطن، إلا إذا خرج هذا المشروع يساوى بين الناس فى إنشاء دور العبادة، وينص صراحة على (قانون إنشاء دور العبادة) وليس كما جاء قانون بناء الكنائس، يكون عادلا ومنصفا بين الأديان، تقام الكنيسة كما يقام المسجد، ويتجاوران دون خوف أو رعب تحت سلطة الدولة وقوة القانون، فهذا حق لكل إنسان يعبد ربه فى المكان الذى يرتضيه وفى الوقت الذى يشعر فيه بالقرب من خالقه، كما يحدث فى دول العالم المتمدين، فإذا كان هناك حجر على لقاء الله أو قيد أو تضييق أو موافقة أمنية على علاقة العبد بربه، تكون الغلبة والسيطرة على القرار سلفيا من شعر رأسه حتى أخمص قدميه، ولن يجرؤ محافظ واحد فى إقليم من أقاليم المحروسة أن يوافق على إنشاء كنيسة خوفا من جحافل السلفية، ومن بلطجية التيارات المتحجرة، وسنعود سيرة ابن القيم وابن تيمية والخط الهمايونى الأولى.

يا أيتها الدولة الرقيقة الضعيفة الضامرة النحيفة الرهيفة، اللقمة السائغة الهنية الطرية، ليس السلفيون سندا ولا عزوة ولا معينا، بل ذئب مفترس لعين، ينقض على فريسته المهدودة المنهكة فى وقتها المبين، يلتهمها التهاما دون شفقة أو رحمة، هى أدبيات هذا التيار يتلون فى فترات الاستضعاف، حتى إذا ضعف خصمه، وأستقوى عليه، واشتد عوده رماه فى مقتل، سندك الوحيد وعونك ومددك أيتها الدولة هو الشعب مسلمين ومسيحيين، ولك فى تاريخ السلفيين فى عهد مبارك والإخوان العبرة والعظة، فقد كانوا السند والمعين للأول والشريك للثانى، باعوا من أعانوه وساندوه، واختلفوا على الغنيمة مع من شاركوه.

قانون بناء الكنائس لابد من استبداله بقانون بناء دور العبادة، فليس الإيمان مرهونا بكثرة المساجد أو الكنائس، أو انتشار الحجاب أو النقاب، الإيمان سلوك والتزام وانضباط وعمل وأمانة وإخلاص ووفاء ورحمة بالعباد، فلا زادت كثرة المساجد تقوانا ولا دفعت الناس لإتقان العمل، ولا حفزت عباد الله على الإخلاص، ولا حرضت خلق الله على الوفاء والالتزام، ولا أشعلت روح التسابق فى الخير، ولا نامت الفتنة خوفا من الحجاب أو النقاب بل أشعلته وسترته وخبأته تحت جلباب يحرقه. اتركوا للناس حقوقهم، ولا تحبسوها عنهم فليس من الشهامة أن تأخذ حقك وتستولى على حق غيرك بالقوة، مستغلا ضعفه وقلة عدده وأدبه. كل مواطن يعيش على أرض الوطن حر فى عقيدته، وله الحق فى ممارسة شعائره الدينية فى الوقت والمكان الذى يرتضيه دون خوف من أحد. بغير هذا سنظل على العهد بالوثيقة العمرية التى تحكمنا حتى الآن.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية